الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } * { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } * { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } * { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } * { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } * { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ألهاكم التكاثُر } أي: شغلكم التغالب في الكثرة والتفاخر بها. رُوي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا، وتعادُّوا بالسادة والأشراف، فقال كُلُّ فريق منهم: نحن أكثر منكم سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم نفراً، فكثرهم بنو عبد مناف، فقالت بنو سهم: إنَّ البغي في الجاهلية أهلكنا، فعادّونا بالأحياء والأموات، ففعلوا، وقالوا: قبر فلان، وهذا قبر فلان، فكثرهم بنو سهم. والمعنى: أنكم تكاثرتم بالأحياء { حتى زُرتم المقابر } أي: إذا استوعبتم عددكم صرتم إلى الأموات، فعبّر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة القبور تهكُّماً بهم. وقيل: كانوا يزورون القبور، ويقولون هذا قبر فلان، يفتخرون بذلك، وقيل: المعنى: ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد، حتى متُّم وقُبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا، معرضين عما يمهمكم من السعي للآخرة، فيكون زيارة القبور عبارة عن الموت. قال عبد الله بن الشخِّير: قرأ النبيًّ صلى الله عليه وسلم { ألهاكم التكاثر } فقال: " يقول ابن آدم: ما لي، وليس له من ماله إلا ثلاث، ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تَصَدَّق فأبقى " وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس. واللام في التكاثر للعهد الذهني، وهو التكاثر بما يشغل عن الله، فلا يشمل التكاثر في العلوم والمعارف والطاعات والأخلاق، فإنَّ ذلك مطلوب لأنَّ بذلك تُنال السعادة في الدارين، وقرينة ذلك قوله تعالى: { ألهاكم } فإنه خاص بما يُلهي عن ذكر الله والاستعداد للآخرة، حتى أنه لو تناول الدنيا على ذكر الله لم تُذمّ وليست بلهو حينئذ، ولذلك جاء: " الدنيا ملعونةٌ ملعون ما فيها إلاّ ذكر الله وما والاه " قال الإمامُ: ولم يقل: ألهاكم التكاثر عن كذا، بل تركه مطلقاً ليدخل تحته جميع ما يحتمله اللفظ، فهو أبلغ لأنه يذهب فيه الوهم كُلَّ مذهب، أي: ألهاكُم عن ذكر الله، وعن التفكًّر في أمور القارعة، وعن الاستعداد لها، وغير ذلك. هـ. وقال بان عطية في قوله: { حتى زُرتم المقابرَ }: عن عمر بن عبد العزيز، قال: الآية: تأنيب عن الإكثار من زيارة القبور تكثُّراً بمَن سلف وإشادة عن ذكره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " كنت نهيتُكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هُجْراً " فكان نهيه صلى الله عليه وسلم في معنى الآية، ثم أباح بَعْدُ للاتعاظ، لا لمعنى المباهاة والافتخار، كما يصنع الناس في ملازمتها وتعليتها بالحجارة والرخام، وتلوينها شرفاً وبنيان النواويس عليها. هـ. وقال ابن عرفة: زيارة المقابر محدودة، أي: كيوم في شهر، مثلاً، وكان بعضهم يقول: إذا رأيتم الطالب في ابتداء أمره يستكثر من زيارة المقابر، ومن مطالعة رسالة القشيري، فاعلم أنه لا يفلح لاشتغاله عن طلب العلم بما لا يُجدي شيئاً.

السابقالتالي
2 3