الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْقَارِعَةُ } * { مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } * { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } * { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } * { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } * { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } * { نَارٌ حَامِيَةٌ }

يقول الحق جلّ جلاله: { القارعةُ ما القارعةُ } القرع هو الضرب باعتماد، بحيث يحصل منه صوت شديد وهي القيامة التي مبدؤها النفخة الأولى، ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق، سُميت بها لأنها تقرع القلوب والأسماع بفنون الأفزاع والأهوال. وهي مبتدأ، خبرها: قوله: ما القارعةُ على أنَّ " ما " استفهامية خبر والقارعة مبتدأ، لا بالعكس لما مرّ من أنَّ محط الإفادة هو الخبر لا المبتدأ. ولا ريب في أنَّ مدار إفادة الهول والفخامة هاهنا هو " ما القارعة " أيّ شيء عجيب هي في الفخامة والفظاعة، وقد وقع الظاهر موضع الضمير تأكيداً للتهويل. { وما أدراك ما القارعةُ } هو تأكيد لهولها وفضاعتها، ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق، أي: أيُّ شيء أعلمك ما شأن القارعة؟ ومن أين علمت ذلك؟ و " أدري " يتعدى إلى مفعولين علقت عن الثاني بالاستفهام. ثم بيّن شأنها فقال: { يومَ يكونُ الناسُ كالفراش المبثوثِ } أي: هي يوم، على أنَّ " يوم " مبني لإضافته إلى الفعل وإن كان مضارعاً على رأي الكوفيين، والمختار أنه منصوب باذكر، كأنه قيل بعد تفخيم أمر القارعة وتشويقه عليه الصلاة والسلام إلى معرفتها: اذكر يوم يكون الناس كالفراش المبثوث في الكثرة والانتشار والضعف والذلّة والاضطراب والتطاير إلى الداعي كتطاير الفراش إلى النار. والفراش: صِغار الجراد، ويسمى: غوغاء الجراد، وبهذا يوافق قوله تعالى:كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [القمر:7] وقال أبو عبيدة: الفراش: طير لا بعوض ولا ذباب، والمبثوث: المتفرق. وقال الزجاج: الفراش ما تراه كصغار البق يتهافت في النار. هـ. والمشهور أنه الطير الذ يتساقط في النار، ولا يزال يقتحم على المصباح، قال الكواشي: شبّه الناسَ عند البعث بالفراش لموج بعضهم في بعض، وضعفهم وكثرتهم، وركوب بعضهم بعضاً لشدة ذلك اليوم، كقوله:كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتِشِرٌ } [القمر:7] وسمي فراشاً لتفرُّشه وانتشاره وخفته. هـ. واختار بعضهم أن يكون هذا التشبيه للكفار لأنهم هم الذين يتهافتون في النار تهافت الفراش المنتشر. { وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ المنفوشِ } كالصوف الملون بالألوان المختلفة في تفرُّق أجزائها وتطايرها في الجو، حسبما نطق به قوله تعالى:وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً... } [النمل:88] الآية، وكلا الأمرين من آثار القارعة بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق، يُبدِّل الله الأرضَ غير الأرض بتغيير هيئاتها وتسير الجبال سيراً عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة ليشاهدها أهل المحشر، وهي وإن اندكت وتصدّعت عند النفخة الأولى، لكن تسيير وتسويتها يكونان بعد النفخة الثانية، كما ينطق به قوله تعالى:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [طه:105] الآية، ثم قال:يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ } [طه:108] وقوله تعالى:يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [إبراهيم:48]، الآية، فإنَّ اتباع الداعي وهو إسرافيل، وبروز الخلق لله تعالى لا يكون إلاَّ بعد النفخة الثانية.

السابقالتالي
2 3