الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } * { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

قلت: " الذين آمنوا ": صفة للأولياء، أو منصوب على المدح، أو مرفوع به على تقدير: " هم " أو مبتدأ، و " لهم البشرى ": خبر، يقول الحق جل جلاله: { ألا إن أولياءَ الله } الذين يتولونه بالطاعة، وهو يتولاهم بالكرامة { لا خوفٌ عليهم } من لحوق مكروه، { ولا هم يحزنون } بفوات مأمول. ثم فسرهم بقوله: { الذين آمنوا وكانوا يتقون } ، فمن جمع بين الإيمان والتقوى فهو ولي ـ أعني الولاية العامة ـ وسيأتي بقية الكلام في الإشارة إن شاء الله، { لهم البُشْرَى في الحياةِ الدنيا } وهو ما بشّر به المتقين في كتابه، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من الحفظ والعز والكفاية، والنصر في الدنيا وما يثيبهم به في الآخرة، أو ما يريهم من الرؤيا الصالحة يراها أو تُرى له. رُوي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو محبة الناس للرجل الصالح، أو ما يتحفهم به من المكاشفات، أو التوفيق لأنواع الطاعات، أو بشرى الملائكة عند النزع، أو رؤية المقعد قبل خروج الروح، { وفي الآخرة } هي الجنة أو تلقي الملائكة إياهم عند الحشر بالبشرى والكرامة. { لا تبديل لكلماتِ الله } أي: لا تغيير لأقواله، ولا اختلاف لمواعيده، واستدل ابن عمر بالآية على أن القرآن لا يقدر أحد أن يُغيره، { ذلك هو الفوز العظيم } الإشارة إلى كونهم مبشَّرين في الدارين، أو لانتفاء الخوف والحزن عنهم مع ما بُشروا به، والله تعالى أعلم. الإشارة: الولاية على قسمين: ولاية عامة، وولاية عرفية خاصة، فالولاية العامة، هي التي ذكرها الحق تعالى: فكل من حقق الإيمان والتقوى فله من الولاية على قدر ما حصًّل منها، والولاية الخاصة خاصة بأهل الفناء والبقاء، الجامعين بين الحقيقة والشريعة، بين الجذب والسلوك مع الزهد التام والمحبة الكاملة، وصحبة من تحققت ولايته. فقد سئل ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فقال: " الذينَ نَظَرُوا إلى بَاطِنِ الدنْيَا، حينَ نَظََرَ النَّاسُ إلى ظََاهِرهَا، واهْتَمُّوا بآجِلِ الدُّنيا حِين اهتَمَّ النَّاسُ بعَاجِلِها فأمَاتُوا منها ما خَشوا أن يُمِيتهم، وتركوا منها ما عملوا أن سيتركُهُم، فما عارضهم من نائلها عارض إلا رفضوه، ولا خادعهم من رفعتها خادعٍ إلا وضعوه، خلقتِ الدنيا في قلوبهم فما يجددونها وخربت بينهم فما يعمرونها، وماتت في صدروهم فما يُحْيونها بل يهدمُونها، فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، نظروا إلى أهلها صرْعى قد حلَّت بهم المَثُلات، فما يرون أماناً دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يجدون ". وفي حديث آخر: قيل: يا رسول الله مَنْ أولياء الله؟ قال:

السابقالتالي
2