قلت: ما أنزل: نصب بأنزل أو بأرأيتم لأنه بمعنى اخبروني. يقول الحق جل جلاله: { قل أرأيتم }: أخبروني { ما أنزل الله لكم من رزقٍ } بقدرته، وإن سترها بالأسباب العادية، وقوله: { لكم } دل على أن المراد منه: ما حلّ، ولذلك وبَّخ على التبعيض بقوله: { فجعلتم منه حراماً وحلالاً } كالبحائر وأخواتها،{ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا } [الأنعام: 139]. { قل } لهم: { آللَّهُ أَذِنَ لكم } في التحريم والتحليل، فتقولون ذلك عنه، { أم على الله تفترون } في نسبة ذلك إليه؟. { وما ظنّ الذين يفترون على الله الكذبَ يوم القيامة } ، أيُّ شيء ظنهم يفعل بهم، أيحسبون أنه لا يجازيهم عليه؟ وفيه تهديد عظيم لهم، { إن الله لذو فضل على الناس } ، حيث أنعم عليهم بالعقل، وهداهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وشرع لهم الأحكام، { ولكن أكثرهم لا يشكرون } هذه النعمة. قال ابن عطية: ثنَّى بإيجاب الفضل على الناس في الإمهال لهم مع الافتراء والعصيان، والإمهال داعية إلى التوبة والإنابة، ثم استدرك من لا يرى حق الإمهال ولا يشكره، ولا يبادر فيه على جهه الذم لهم، والآية بعد هذا تعم جميع فضل الله، وجميع تقصير الخلق في شكره، لا رب غيره. هـ. الإشارة: الوقوف مع حدود الشريعة، والتمسك بالسنة النبوية قولاً وفعلاً، وأخذاً وتركاً، والاهتداء بأنوار الطريقة تخلية وتجلية، هو السير إلى أسرار الحقيقة، فمن تخطى شيئاً من ذلك فقد حاد عن طريق السير. وبالله التوفيق. ثم هددهم بمراقبته عليهم، فقال: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ }.