الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قلت: والذين: مبتدأ على حذف مضاف، أي: جزاء الذين كسبوا، وجزاء: خبر، أو على تقدير " لهم " أو معطوف على للذين أحسنوا على مذهب من يُجوز: في الدار زيد والحجرةِ عمرو. أو جزاء: مبتدأ، وبمثلها: خبر، والجملة حينئذٍ كبرى. ومن قرأ قِطعَاً بفتح الطاء فجمع قطيع، وهو مفعول ثان، ومظلماً: حال من الليل، ومن قرأ قِطعَاً بالسكون فمصدر، ومظلماً نعت له، أو حال منه أو من الليل. يقول الحق جل جلاله: { والذين كسَبوا السيئات } كالكفر والشرك، وما يتبعهما من المعاصي، جزاؤهم { سيئة بمثلها } لا يزاد عليها، فلا تضاعف سيئاتهم، عدلاً منه سبحانه، { وترهقُهم ذِلةٌ } أي: هوان عند حشرهم للنار، { ما لهم من الله من عاصم } يعصمهم من عذاب الله وغضبه، { كأنما أُغشيَت وجوهُهُم قِطعَاً من الليل مظلماً } ، أي: يحشرون مسودة وجوههم، كأنما أُكْسِيَتْ وجوههم قطْعاً كثيرة من الليل المظلم، أو قطْعاً مظلماً من الليل { أولئك أصحابُ النار هم فيها خالدون }. قال البيضاوي: هذا مما يحتج به الوعيدية ـ يعني المعتزلة ـ في تخليد العصاة. والجواب: أن الآية في الكفار لاشتمال السيئات على الكفر والشرك، ولأن الذين أحسنوا يتناول الكثير من أهل القبلة، فلا يتناوله قسيمُه. هـ. الإشارة: جزاء المعاصي البُعد والهوان، وتسْويد وجوه القلوب والأبدان، كما أن جزاء الطاعة التقريب والإبرار، وتنوير وجوه القلوب والأسرار والإحسان، وفي ذلك يقول ابن النحوي في منفرجته:
وَمَعَاصِي اللَّهِ سَماجَتُها تَزَدَانُ لِذي الخُلْقِ السَّمِج وَلِطَاعَتِه وَصَبَاحَتِهَا أنْوارُ صَبَاحٍ مُنْبَلِجِ   
قيل لبعض الصالحين: ما بال المجتهدين من أحسن الناس خلَقاً؟ قال: لأنهم خلَوْا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره. هـ. نعم، إن صحب المعصية توبةٌ وانكسارٌ، وصحب الطاعة عز واستكبارُ، انقلبت حقيقتهما، فقد تُقرب المعصية وتبعد الطاعة. وفي الحكم: " معصية أورثت ذلاً وافتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً، وقال أيضاً: " وربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول ". ثم ذكر موطن وعد المحسنين ووعيد المسيئين، فقال: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ }.