الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ }

{ يا ايها الذين آمنوا } قولا وتصديقا { اتقوا الله } فيما لا يرضاه { وكونوا مع الصادقين } فى كل شأن من الشؤن اى قائلين بالحق العاملين به ومع الصادقين فى معنى من الصادقين او فى الصادقين لان مع للمصاحبة وفى للوعاء ومن للتبعيض فاذا كانوا فى جهتهم فهم على المعانى الثلاثة اى كونوا فى جملة الصادقين ومصاحبين لهم او لبعضهم. وفى الآية دليل على فضل الصدق وعلو درجته وحث عليه. قال بعض اهل المعرفة من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض الموقت قيل ما الفرض الدائم قال الصدق
از كجا افتى لكم وكاستى از همه غم رستى اكر راستى راستى خويش نهان كس نكرد برسخن راست زيان كست نكرد   
وفى الحديث " التجار يحشرون يوم القيامة فجارا الا من اتقى وبر وصدق " الفجار جمع فاجر وهو المنبعث فى المغانى والمحارم سماهم فجارا لما فى البيع والشراء من الايمان الكاذبة والغبن والتدليس والربا الذى لا يتحاشاه احدهم ولذا قال فى تمام الحديث الا من اتقى اى الكذب وبر فى يمينه اى صدق وصدق فى حديثه. وقيل الا من خاف الله فلا يترك اوامره ولا يفعل المناهى وبر اى احسن فلا يؤذى احدا ولا يوصل ضررا الى احد وصدق فى ثمن المتاع فلم ينفق سلعته بالحلف الكاذب مثل ان يقول للمشترى اشتريت هذا بمائة درهم والله لم يشتره بها بل اقل منها وبالحلف الكاذب يمحق الله البركة من الثمن وفى الحديث " ان اطيب الكسب كسب التجار الذين اذا حدثوا لم يكذبوا واذا ائتمنوا لم يخونوا واذا وعدوا لم يخلفوا واذا اشتروا لم يذموا واذا باعوا لم يمدحوا واذا كان عليهم لم يمطلوا واذا كان لهم لم يعسروا ". فالصدق فى كل الاحوال ممدوح وصاحبه محمود فى الدنيا والآخرة
دانى زجه رو سرور وآن سر سبرست بيوسته جرا ببوستان سر سبرست جون مذهب اوست راستى درهمه وقت بر طرف جمن هميشه زان سر سبزست   
ثم المطل العارفين فى الصدق فى العبودية والقيام بحقوق الربوبية. قال احمد بن الحوارى قلت لابى سليمان الدارانى قدس سرهما انى قد غبطت بنى اسرائيل قال بأى شئ قلت بثمانمائة سنة من العمر حتى يصيروا كالشنان البالية وكالحنايا وكالاوتار قال ما ظننت الا وقد جئت بشئ والله ما يريد منا ان تيبس جلودنا على عظامنا ولا يريد منا الا صدق النية فيما عنده هذا اذا صدق فى عشرة ايام نال ما ناله ذاك فى عمره الطويل انتهى فرب عمر اتسعت آماده وقلت امداده كاعمار بنى اسرائيل اذا كان الواحد منهم يعيش الفا ونحوها ولم يتحصل له شئ مما تحصل لهذه الامة مع كثرة اعمارها ورب عمر قليلة آماده كثيرة امداده كعمر من فتح عليه من هذه الامة فوصل الى عناية الله بلمحة كما قال الامام الغزالى قدس سره فى منهاج العابدين منهم من يقطع هذه العقبات فى سبعين سنة ومنهم من يقطعها فى شهر بل فى جمعة بل فى ساعة كسحرة موسى -حكى- ان رابعة البصرية كانت امة كبيرة يطاف بها فى سوق البصرة لا يرغب فيها احد لكبر سنها فرحمها بعض التجار فاشتراها بنحو مائة درهم فاعتقها فاختارت هذا الطريق فاقبلت على العبادة فما تمت لها سنة حتى زارها علماء البصرة وقراؤها لعظم منزلتها.

السابقالتالي
2