الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ }

{ براءة من الله ورسوله } اى هذه براءة مبتدأة من جهة الله ورسوله واصلة { الى الذين عاهدتم } ايها المسلمون { من المشركين } فمن لابتداء الغاية والى لانتهاء الغاية متعلقان بمحذوف كما تقول هذا الكتاب من فلان الى فلان اى واصل منه اليه وليست كلمة من صلة براءة كما فى قولك برئت من فلان والبراءة من الله انقطاع العصمة ونقض العهد ولم يذكر ما تعلق به البراءة كما فى ان الله بريئ من المشركين اكتفاء بما فى حيز الصلة واحترازا عن تكرير لفظة من ولما كانت المعاهدة غير واجبة بل مباحة مأذونة وكان الاتفاق للعهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب اليهم مع ان مباشرة امرها انما تتصور من المسلمين لا من الله تعالى وان كانت باذن الله تعالى بخلاف البراءة فانها واجبة اوجبها الله تعالى وامر منوط بجناب الله تعالى كسائر الاوامر غير متوقفة على رأى المخاطبين. والمعنى ان الله ورسوله قد برئا من العهد الذى عاهدتم به المشركين فانه منبوذ اليهم والعهد العقد الموثق باليمين وقد كانوا عاهدوا مشركى العرب من اهل مكة وغيرهم باذن الله واتفاق الرسول فنكثوا الابنى ضمرة وبنى كنانة فامر المسلمون بنبذ العهد الى الناكثين وامهلوا اربعة اشهر كما قال تعالى { فسيحوا } اى فقولوا لهم سيحوا وسيروا { فى الارض اربعة اشهر } مقبلين مدبرين آمنين من القتال غير خائفين من النهب والغارة. والسيح والسياحة الذهاب فى الارض والسير فيها بسهولة على مقتضى المشيئة كسيح الماء على موجب الطبيعة ففيه من الدلالة على كمال التوسعة والترفيه ما ليس فى سيروا ونظائره وزيادة فى الارض لقصد التعميم لاقطارها من دار الاسلام وغيرها والمراد اباحة ذلك لهم وتخليتهم وشأنهم للحرب او تحصين الاهل والمال او تحصيل الحرب او غير ذلك لا تكليفهم بالسياحة فيها والمراد بالاشهر الاربعة هى الاشهر الحرم التى علق القتال بانسلاخها هى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان السورة نزلت فى شوال سنة تسع من الهجرة بعد فتح مكة فانه كان فى السنة الثامنة منها امروا بان لا يتعرضوا للكفار بتلك المدة صيانة للاشهر الحرم عن القتال فيها ثم نسخ وجوبها ليتفكروا ويعلموا ان ليس لهم بعد هذه المدة الا الاسلام او السيف فيصير ذلك حاملا لهم على الاسلام ولئلا ينسبوا المسلمين الى الخيانة ونقض العهد على غفلة المعاهدين وقيل هى عشرون من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الآخر لان التبليغ كان يوم النحر كما " روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى سنة الفتح عتاب بن اسيد الوقوف بالناس فى الموسم واجتمع فى تلك السنة فى الوقوف المسلمون والمشركون فلما كانت سنة تسع بعث ابا بكر رضى الله عنه اميرا على الموسم فلما خرج منطلقا نحو مكة اتبعه عليا رضى الله عنه راكب العضباء ليقرأ هذه السورة على اهل الموسم فقيل له عليه السلام لو بعثت بها الى ابى بكر فقال " لا يؤدى عنى الارجل منى "

السابقالتالي
2 3