الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ }

{ علمت نفس ما احضرت } اى علمت كل نفس من النفوس ما احضرته على حذف الراجع الى الموصول فنفس فى معنى العموم كما صرح به فى قوله تعالىيوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضرا } وقولههنالك تبلو كل نفس ما اسلفت } وقولهم ان النكرة فى سياق الاثبات لا تعمم بل هى للافراد النوعية غير مطرد ويجوز أن يكون التنوين للافراد الشخصية اشعارا بانه اذا علمت حينئذ نفس من النفوس ما احضرت وجب على كل نفس اصلاح عملها مخافة ان تكون هى التى علمت ما احضرت فكيف وكل نفس تعلمه على طريق قولك لمن تنصحه لعلك ستندم على ما فعلت وربما ندم الانسان على ما فعل فانك لا تقصد بذلك ان ندمه مرجو الوجود لا متيقن به او نادر الوقوع بل تريد ان العاقل يجب عليه ان يجتنب امرا يرجى فيه الندم او قلما يقع فيه فكيف به اذا كان قطعى الوجود كثير الوقوع والمراد بما احضرت اعمالها من الخير والشر وبحضورها اما حضور صحائفها كما يعرب عنه نشرها واما حضور انفسها لان الاعمال الظاهرة فى هذه النشأة بصور عرضية تبرز فى النشأة الآخرة بصور جوهرية مناسبة لها فى الحسن والقبح على كيفيات مخصوصة وهيئات معينة واسناد حضورها الى النفس مع انها تحضر بأمر الله لما انها عملتها فى الدنيا كأنها احضرتها فى الموقف ومعنى علمها بها حينئذ انها تشاهدها على ما هى عليه فى الحقيقة فان كانت صالحة تشاهدها على صور أحسن مما كانت تشاهدها عليه فى الدنيا لان الطاعات لا تخلو فيها عن نوع مشقة وقد ورد حفت الجنة بالمكاره وان كانت سيئة تشاهدها على ما هى عليه ههنا لانها كانت مزينة لها موافقة لهواها كما ورد وحفت النار بالشهوات وقال بعضهم العلم بالاعمال كناية عن المجازاة عليها من حيث ان العلم لازم للمجازاة وقوله علمت الخ جواب اذا على ان المراد بها زمان واحد متسع محيط بما ذكر من اول السورة الا هنا من الاثنى عشر شيأ مبدأ النفخة الاولى ومنتهاه فصل القضاء بين الخلائق لكن لا بمعنى انها تعلم ما تعمل فى كل جزء من اجزاء ذلك الوقت المديد أو عند وقوع داهية من تلك الدواهى بل عند نشر الصحف الا انه لما كان بعض تلك الدواهى من مباديه وبعضها من روادفه نسب علمها بذلك الى زمان وقوع كلها تهويلا للخطب وتفظيعا للحال وعن عمر وابن عباس رضى الله عنهم انهما قرأ السورة فلما بلغا الى قوله علمت نفس ما احضرت قالا لهذه اجريت القصة وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان قارئا قرآها عنده فلما بلغ علمت نفس ما احضرت قال وانقطاع ظهراه اى قاله خوفا من القيامة ومجازاة الاعمال.

السابقالتالي
2