الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وإِن يريدوا } اى الذين يطلبون منك الصلح { أَن يخدعوك } باظهار الصلح لتكف عنهم { فإِن حسبك الله } فان محسبك الله وكافيك من شرورهم وناصرك عليهم يقال احسبنى فلان اى اعطانى حتى اقول حسبى { هو الذى ايدك بنصره } اى قواك بامداد من عنده بلا واسطة سبب معلوم مشاهد { وبالمؤمنين } من المهاجرين والانصار ثم انه تعالى بين كيف ايده بالمؤمنين فقال { وأَلّفَ بين قلوبهم } وبيوند افكند بدوستى ميان دلهاى ايشان مع ما كان بينهم قبل ذلك من العصبية والضغينة والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان وكان اذا لطم رجل من قبيلة لطمه قاتل عنها قبيلته حتى يدركوا ثاره فكان دأبهم الخصومة الدائمة والمحاربة ولا تتوقع بينهم الالفة والاتفاق ابدا فصاروا بتوفيه تعالى كنفس واحدة هذا من ابهر معجزاته عليه السلام. قال الكاشفى اوس وخزرج صد وبيست سال درميان ايشان تعصب وستيزه بود همواره بقتل وغارت هم اشتغال مى نمودند حق تعالى ببركت تودلهاى ايشانرا الفت داد
يك حرف صوفيانه بكويم اجازتست اى نور ديده صلح به ازجنك آورى   
{ لو أنفقت ما فى الأَرض جميعاً } اى لتأليف ما بينهم { ما ألفت بين قلوبهم } اى تناهت عداوتهم الى حد لو انفق منفق فى اصلاح ذات بينهم جميع ما فى الارض من الاموال والذخائر لم يقدر على التأليف والاصلاح { ولكن الله الف بينهم } قلبا وقالبا بقدرته الباهرة فانه المالك للقلوب فيقبلها كيف يشاء { إِنه عزيز } كامل القدرة والغلبة لا يستعصى عليه شيء مما يريده { حكيم } يعلم كيفية تسخير ما يريده. واعلم ان التودد والتألف والموافقة مع الاخوان مع ائتلاف الارواح وفى الحديث " المؤمن الف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف " وفى الحديث " مثل المؤمنين اذا التقيا مثل اليدين تغسل احداهما الاخرى وما التقى المؤمنان الا استفاد احدهما من صاحبه خيرا ". وقال ابو ادريس الخولانى لمعاذ انى احبك فى الله فقال ابشر ثم ابشر فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " تنصب لطائفة من الناس كراسى حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم لا يفزعون ويخاف الناس وهم لا يخافون وهم اولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " فقيل من هؤلاء يا رسول الله فقال " المتحابون فى الله ". قيل لو تحاب الناس وتعاطوا المحبة لاستغنوا بها عن العدالة فالعدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة. وقيل طاعة المحبة افضل من طاعة الرهبة فان طاعة المحبة من داخل وطاعة الرهبة من خارج ولهذا المعنى كانت صحبة الصوفية مؤثرة من البعض فى البعض لانهم لما تحابوا فى الله تواصوا بمحاسن الاخلاق ووقع القبول لوجود المحبة فانتفع لذلك المريد بالشيخ والاخ بالاخ ولهذا المعنى امر الله تعالى باجتماع الناس فى كل يوم خمس مرات فى المساجد من اهل كل درب وكل محلة وفى الجامع فى الاسبوع مرة من اهل كل بلد وانضمام اهل السواد الى البلدان فى الاعياد فى جميع السنة مرتين واهل الاقطار من البلدان فى العمر مرة للحج كل ذلك لحكم بالغة منها تأكيد الالفة والمودة بين المؤمنين وفى الحديث

السابقالتالي
2