الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ }

{ وإما تخافن } تعلمن فالخوف مستعار للعلم { من قوم } من المعاهدين { خيانة } نقض عهد فيما سيأتى بما لاح لك منهم من علامات الغدر { فانبذ اليهم } اى فاطرح اليهم عهدهم حال كونك { على سواء } اى ثابتا على طريق سوىّ فى العداوة بان تظهر لهم النقض وتخبرهم اخبارا مكشوفا بانك قد قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة فلا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد كيلا يكون من قبلك شائبة خيانة اصلا فالجار متعلق بمحذوف وهو حال من النابذ او على استواء فى العلم بنقض العهد بحيث يستوى فيه اقصاهم وادناهم فهو حال من المنبوذ اليهم او تستوى فيه انت وهم فهو حال من الجانبين { ان الله لا يحب الخائنين } تعليل للامر بالنبذ على طريقة الاستئناف كأنه قيل لم امرتنا بذلك ونهيتنا عن المحاربة قبل نبذ العهد فاجيب بذلك ويحتمل ان يكون طعنا على الخائنين الذين عاهدهم الرسول عليه السلام كأنه قيل واما تعلمن من قوم خيانة فانبذ اليهم ثم قاتلهم ان الله لا يحب الخائنين وهم من جملتهم لما علمت حالهم. واعلم ان النبذ انما يجب على الامام اذا ظهرت خيانة المعاهدين بامارات ظنية واما اذا ظهر انهم نقضوا العهد ظهورا مقطعوعا به فلا حاجة الى نبذ العهد كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم باهل مكة لما نقضوا العهد والتصريح به قبل المحاربة خطر بالبال ان يقال كيف نوقظ العدو ونعلمهم بطرع العهد اليهم قبل المحاربة مع انهم ان علموا ذلك اما ان يتأهبوا للقتال ويستجمعوا اقصى ما يمكن لهم من اسباب التقوى والغلبة او يفروا ويتخلصوا وعلى التقديرين يفوت المقصود وهو الانتقام منهم اما يكفى لصحة المحاربة معهم بغير نبذ العهد اليهم واعلامهم به ظهور امارات الخيانة منهم فازاح الله تعالى هذا المحذور بقوله { ولا يحسبن } اى لا يظن { الذين كفروا } وهو فاعل والمفعول الاول محذوف اى انفسهم حذف هربا من تكرار ذكرهم { سبقوا } مفعول ثان اى فاتوا وافلتوا من ان يظفر بهم ويدخل فيه من لم يظفر به يوم بدر وغيره من معارك القتال من الذين آذوه عليه السلام وبالغوا فى عصيانه { إنهم لا يعجزون } تعليل للنهى على سبيل الاستئناف المبنى على تقدير السؤال اى لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن ادراكهم على ان همزة اعجز لوجود المفعول على فاعلية اصل الفعل وهو العجز كما تقول ابخلته اذا وجده بخيلا يقال اعجزه الشيء اذا فاته واعجزت الرجل اذا وجدته عاجزا. وفى الآية تهديد للنفوس التى اجترأت على المعاصى وهى فى الحقيقة مجترئة على الله تعالى. وعن السرى السقطى رضى الله عنه قال كنت يوما اتكلم بجامع المدينة فوقف علىّ شاب حسن الشباب فاخر الثياب ومعه اصحابه فسمعنى اقول وفى وعظى عجبا لضعيف يعصى قويا فتغير لونه وانصرف فلما كان الغد جلست فى مجلسى واذا به قد اقبل فسلم وصلى ركعتين وقال ياسرى سمعتك بالامس تقول عجبا لضعيف كيف يعصى قويا فما معناه قلت لا اقوى من الله ولا اضعف من العبد وهو يعصيه

السابقالتالي
2 3