الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ ان ربك يعلم انك تقوم ادنى من ثلثى الليل } اى اقل منهما فاطلاق الأدنى على الاقل مجاز مرسل من قبيل اطلاق الملزوم على اللازم لما ان المسافة بين الشيئين اذا دنت قل ما بينهما من الاحياز والحدود واذا بعدت كثر ذلك روى انه تعالى افترض قيام الليل فى اول هذه السورة فقام النبى عليه السلام واصحابه حولا مع مشقة عظيمة من حيث انه يعسر عليهم تمييز القدر الواجب حتى قام اكثر الصحابة الليل كله خوفا من الخطأ فى اصابة المقدار المفروض وصاروا بحيث انتفخت اقدامهم واصفرت الوانهم وامسك الله خاتمة السورة من قوله ان ربك الخ اثنى عشر شهرا فى السماء حتى انزل الله فى آخر السورة التخفيف فنسخ تقدير القيام بالمقادير المذكورة مع بقاء فرضية اصل التهجد حسبما تيسر ثم نسخ نفس الوجوب ايضا بالصلوات الخمس لما روى ان الزيادة على الصلوات الخمس زيادة { ونصفه وثلثه } بالنصب عطفاعلى ادنى والثلث احد اجزآء الثلاثة والجمع اثلاث اى انك تقوم اقل من ثلثى الليل وتقوم من نصفه وثلثه { وطائفة من الذين معك } مرفوع معطوف على الضمير فى تقوم وجاز ذلك للفصل بينهما اى ويقوم معك طائفة من اصحابك ومن تبينية فلا دلالة فيه على ان قيام الليل لم يكن فرضا على الجميع وحاصل المعنى يتابعك طائفة فى قيام الليل وهم اصحابك وفيه وعد لهم بالاحسان اليهم كما تقول لاحد اذا أردت الوعد له انا اعلم ما فعلت لى وفى قوت القلوب قد قرن الله تعالى قوام الليل برسوله المصطفى عليه السلام وجمعهم معه فى شكر المعاملة وحسن الجزآء وفى التأويلات النجمية يشير الى انسلاخ رسول القلب عن ليل طبيعته فى اكثر الاوقات بالتوجه الى الله والاعراض عن النفس الا فى اوقات قلائل وذلك لحكمة مقتضية للحجاب فان الحجاب رحمة كما قيل لولا الحجاب ما عرف الآله وطائفة من الذين مع رسول القلب من القوى الروحانية والاعضاء والجوارح { والله يقدر الليل والنهار } وحده لا يقدر على تقديرهما ومعرفة مقادير ساعاتهما واوقاتهما احد اصلا فان تقديم الاسم الجليل مبتدأ وبناء يقدر عليه موجب للاختصاص قطعا والتقدير بالفارسية اندازه كردن يعنى وخدى تعالى اندازه ميكند شب وروز را وميداند مقادير ساعات آن. قال الراغب التقدير تبيين كمية الشئ وقوله تعالى والله الخ اشارة الى ما اجرى من تكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل اى ادخال هذا فى هذا او ان ليس احد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حق العبادة منهما فى وقت معلوم والحاصل ان العالم بمقادير ساعات الليل والنهارعلى حقائقها هو الله وانتم تعلمون ذلك بالتحرى والاجتهاد الذى يقع فيه الخطأ فربما يقع منكم الخطأ فى اصابتها فتقومون اقل من المقادير المذكورة ولذا قال { علم } الله { ان } اى ان الشأن { لن تحصوه } لن تقدروا على تقدير الاوقات على حقائقها ولن تستطيعوا ضبط الساعات ابدا فالضمير عائد الى المصدر المفهوم من يقدر قال فى تاج المصادر الاحصاء دانستن وشمردن برسبيل استقصا وتوانستن.

السابقالتالي
2 3 4 5 6