الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ }

{ واذكر } يا محمد { ربك } ويجوز ان يكون المراد جميع الخلق والذكر طرد الغفلة ولذا لا يكون فى الجنة لانها مقام لحضور الدائم { فى نفسك } وهو الذكر بالكلام الخفى فان الاخفاء ادخل فى الاخلاص واقرب من الاجابة وهذا الذكر يعم الاذكار كلها من القراءة والدعاء وغيرها كما قال فى الاسرار المحمدية ليس فضل الذكر منحصرا فى التهليل والتسبيح والتكبير والدعاء بل كل مطيع لله فى عمل فهو ذاكر { تضرعا } مصدر واقع موقع الحال من فاعل اذكر اى متضرعا ومتذللا. والضراعة الخضوع والذل والاسكانة يقال تضرع الى الله اى ابتهل وتذلل والابتهال الاجتهاد فى الدعاء واخلاصه. قال بعض العارفين بالله الصلاة افضل الحركات والصوم افضل السكنات والتضرع فى هياكل العبادات يحل ما عقدته الافلاك الدائرات
لو لم ترد نيل ما ارجو واطلبه من فضل جودك ما علمتنى الطلبا   
{ وخيفة } بكسر الخاء اصلها خوفه قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها اى وحال كونك خائفا. قال ابن الشيخ وهذا الخوف يتناول خوف التقصير فى الاعمال وخوف الخاتمة وخوف السابقة فان ما يكون فى الخاتمة ليس الا ما سبق به الحكم فى الفاتحة ولذلك قال عليه السلام " جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة " انتهى. يقول الفقير هذا بالنسبة الى ام يكون المراد بالخطاب فى الآية هو الامة والا فالانبياء بل وكمل الاولياء آمنون به من خوف الخاتمة والفاتحة نعم لهم خوف لكن من نوع آخر يناسب مقامهم ولما كان اكمل احوال الانسان ان يظهر عزة ربوبية الله وذلة عبودية نفسه امر الله بالذكر ليتم المقصود الاول وقيده بالتضرع والخيفة ليتم المقصود الثانى
اى خنك آنراكه ذلت نفسه واى آنكسى راكه بردى رفسه   
{ ودون الجهر من القول } صفة لمحذوف هو الحال اى ومتكلما كلاما هو دون الجهر فانه اقرب الى حسن التفكر فمن ام فى صلاة الجهر ينبغى له ان لا يجهر جهرا شديدا بل يقتصر على قدر ما يسمعه من خلفه. قال فى الكشف لا يجهر فوق حاجة الناس والا فهو مسيئ. والفرق بين الكراهة والاساءة هو ان الكراهة افحش من الاساءة " ولما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عمر رضى الله عنه يقرأ رافعا صوته فسأله فقال اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال عليه السلام " اخفض من صوتك قليلا " واتى ابا بكر رضى الله عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد اسمعت من ناجيت فقال عليه السلام " ارفع من صوتك قليلا ". وقد جمع النووى بين الاحاديث الواردة فى استحباب الجهر بالذكر بالذكر والواردة فى استحباب الاسرار به بان الاخفاء افضل حيث خاف الرياء او تأذى المصلون او النائمون والجهر افضل فى غير ذلك لان العمل فيه اكثر ولان فائدته تتعدى الى السامعين ولانه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف سمعه اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط وبالجملة ان المختار عند الاخيار ان المبالغة والاستقصاء فى رفع الصوت بالتكبير فى الصلاة ونحوه مكروه والحالة الوسطى بين الجهر والاخفاء مع التضرع والتذلل الاستكانة الخالية عن الرياء جائز غير مكروه باتفاق العلماء كذا فى انوار المشارق وقد سبق من شارح الكشاف ان الشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لتنقلع من قلبه الخواطر الراسخة فيه { بالغدو والآصال } متعلق باذكر اى اذكره فى هذين الوقتين وهما البكرات والعشيات فان الغدو جمع غدوة وهى ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس.

السابقالتالي
2 3 4