الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ فاذا جاءتهم الحسنة } اى السعة والخصب وغيرهما من الخيرات { قالوا لنا هذه } اى لاجلنا واستحقاقنا لها ولم يروا ذلك فضلا من الله { وان تصبهم سيئة } اى جدب وبلاء { يطيروا بموسى ومن معه } اى يتشاءموا بموسى واصحابه ويقولوا ما اصابتنا الا بشؤمهم واصله يتطيروا ادغمت التاء فى الطاء لقرب مخرجهما واشتقاق التطير من الطير كالغراب وشبهه سمى الشؤم ضد اليمن طيرا وطائرا تسمية للمدلول باسم ما يدل عليه فانهم يجعلون الطير والطائر امارة ودليلا على شؤم الامر وبناء التفعيل فيه للتجنب اى لبعد الفاعل عن اصلح كتحوب اى تجنب وتباعد من الحوب وهو الاثم وسيجيء تفصيل الطيرة. قال سعيد بن جبير كان ملك فرعون اربعمائة سنة فعاش ثلاثمائة سنة لا يرى مكروها ولوارى فى تلك المدة جوع يوم او حمى يوم او وجع ساعة لما الدعى الربوبية ولما قالوا سبب ما جاءنا من الخير والحسنة هو استحقاق انفسنا اياه وسبب ما اصابنا من السيئة والشر هو شأمة موسى ومن معه كذبهم الله تعالى فى كل واحد من الحكمين بقوله { ألا } اعلموا { انما طائرهم عند الله } اى سبب ما اصابهم من الخير والشر انما هو عند الله تعالى وصفة قائمة به وهى قضاؤه وتقديره ومشيئته وهو الذى أيهما شاء اصابهم به وليس بيمن احد ولا بشؤمه عبر عما عند الله تعالى بالطائر تشبيها له بالطائر الذى يستدل به على الخير والشر او سببه شؤمهم عند الله تعالى وهو اعمالهم السيئة المكتوبة عنده فانها التى ساقت اليهم ما يسوءهم لا ما عداها فالطائر عبارة عن الشؤم على طريق التسمية الملول باسم الدليل بناءً على انهم يستدلون بالطير على الشؤم { ولكن اكثرهم لا يعلمون } ان ما يصيبهم من الله تعالى او من شؤم اعمالهم فيقولون ما يقولون مما حكى عنهم واسناد عدم العلم الى اكثرهم للاشعار بان بعضهم يعلمون ذلك ولكن لا يعلمون بمقتضاه عنادا واستكبارا. واعلم ان الطير بمعنى التشاؤم والاسم منه الطيرة على وزن العنبة وهو ما يتشاءم به من الفأل الرديئ. والاصل فى هاذ ان العرب كانوا يتفاءلون بالطير فان خرج احدهم الى مقصده واتى الطير من ناحية يمينه يتمين به ويتبرك ويسميه سانحا وان اتى من ناحية شماله يتشاءم به ويسميه بارحا فيرجع الى بيته ثم كثر قولهم فى الطير حتى استعملوه فى كل ما تشاءموا به وابطل النبى عليه السلام الطيرة بقوله " " الطير شرك " قاله ثلاثا " وانما قال شرك لاعتقادهم ان الطيرة تجلب لهم نفعا او تدفع عنهم ضررا اذا عملوا بموجبها فكأنهم اشركوها مع الله تعالى. قال عبد الله من خرج من بيته ثم رجع لم يرجعه الا الطيرة رجع مشركا او عاصيا.

السابقالتالي
2 3