الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ وهو الذى خلقكم } خلقا بديعا حاويا لجميع مبادى الكمالات العلمية والعملية ومع ذلك { فمنكم كافر } اى فبعضكم او فبعض منكم مختار للكفر كاسب له حسبما تقتضيه خلقته ويندرج فيه المنافق لانه كافر مضمر وكان الواجب عليكم جميعا ان تكونوا مختارين للايمان شاكرين لنعمة الخلق والايجاد وما يتفرع عليها من سائر النعم فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنهم منه بل تشعبتم شعبا وتفرقتم فرقا قال فى فتح الرحمن الكفر فعل الكافر والايمان فعل المؤمن والكفر والايمان اكتساب العبد لقول النبى عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة وقوله فطرة الله التى فطر الناس عليها فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته فالمؤمن بعد خلق الله اياه يختار الايمان لان الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله اياه يختار الكفر لان الله تعالى قدر عليه ذلك وعلمه منه وهذا طريق اهل السنة انتهى وفى الآية رد للدهرية والطبيعية فانهم ينكرون خالقية الله تعالى والخالق هو المخترع للاعيان المبدع لها حكى ان سنيا ناظر معتزليا فى مسألة القدرة فقطف المعتزلى تفاحة من شجرة وقال للسنى أليس انا الذى قطفت هذه فقال له السنى ان كنت الذى قطفتها فردها على ما كانت عليه فأفحم المعتزلى وانقطع وانما ألزمه بذلك لان القدرة التى يحصل بها الايجاد لا بد أن تكون صالحة للضدين فلو كان تفريق الاجزآء بقدرته لكان فى قدرته وصلها ومن أدب من عرف انه سبحانه هو المنفرد بالخلق والايجاد أن لا يجحد كسب العبد ولا يطوى بساط الشرع فى الابتلاء بالامر والنهى ولا يعتقد ان للعبد على الله حجة بسبب ذلك حكى ان بعض الاكابر تعجب من تجاسر الملائكة فى قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ثم قال ما عليهم شئ هو أنطقهم فبلغ قوله يحيى بن معاذ الرازى رضى الله عنه فقال صدق هو انطقهم ولكن انظر كيف أفحمهم بين بذلك ان مجرد الخلق من جهة الحق لا يكون عذرا للعبيد فى سقوط اللوم عنهم { ومنكم مؤمن } مختار للايمان كاسب له ويندرج فيه مرتكب الكبيرة الغير التائب والمبتدع الذى لا تفضى بدعته الى الكفر وتقديم الكفر عليه لانه الا نسب بمقام التوبيخ والأغلب فيما بينهم ولذا يقول الله فى يوم الموقف يا آدم أخرج بعث النار يعنى ميز اهلها المبعوث اليها قال وما بعث النار اى عدده قال الله من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون وفى التنزيل ولكن اكثر الناس لا يؤمنون وقليل من عبادى الشكور والايمان اعظم شعب الشكر روى ان عمر رضى الله عنه سمع رجلا يقول اللهم اجعلنا من القليل فقال له عمر ما هذا الدعاء فقال الرجل انى سمعت الله يقول وقليل من عبادى الشكور فانما ادعو أن يجعلنى من ذلك القليل فقال عمر كل الناس اعلم من عمر.

السابقالتالي
2 3