الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ فقطع دابر القوم الذين ظلموا } اى آخرهم بحيث لم يبق منهم احد فالدابر يقال للتابع للشئ من خلفه كالولد للوالد يقال دبر فلان القوم يدبروا دبرا ودبورا اذا كان آخرهم. قال البغوى معناه انهم استؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية ووضع الظاهر موضع الضمير للاشعار بعلة الحكم فان هلاكهم بسبب ظلمهم الذى هو وضع الكفر موضع الشكر واقامة المعاصى مقام الطاعات { والحمد لله رب العالمين } على اهلاكهم فان هلاك الكفار والعصاة من حيث انه تخليص لاهل العرض من شؤم عقائدهم الفاسدة واعمالهم الخبيثة نعمة جليلة يحق ان يحمد عليها لا سيما مع ما فيه من اعلاء كلمة الحق التى نطقت بها رسلهم عليهم السلام وفى الآيات امور. منها ان الله تعالى هو المرجع فى كل امر حال الاختيار والاضطرار والعاقل لا يلتجئ الى غيره تعالى لان ما سوى الله آلات واسباب والمؤثر فى الحقيقة هو الله تعالى فشأن المؤمن هو النظر الى بابه والاستمداد من جنابه حال السراء والضراء بخلاف الكافر فانه يفتح عينيه عند نزول الشدة والمقبول هو الرجوع اختيارا فان العبد المطيع لا يترك باب سيده على كل حال، ومنها ان الله تعالى يقلب الانسان تارة من البأساء والضراء الى الراحة والرخاء وانواع الآلاء والنعماء واخرى يعكس الامر كما يفعله الاب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه اخرى طلبا لصلاحه والزاما للحجة ازاحة للعلة ففى هذه المعاملة تربية له وفائدة عظيمة فى دينه ودنياه ان تفطن قال الصائب
نهاد سخت توسوهان بخرد نمى كيد وكرنه بست وبلند زمان سوهانست   
ومنها ان الهلاك بقدر الاستدراج ونعوذ بالله تعالى من المكروه وفى الحديث " " اذا رأيت الله تعالى يعطى عبدا فى الدنيا على معصية ما يحب فان ذلك منه استدراج " ثم قرأ صلى الله عليه وسلم { فلما نسوا ما ذكروا به } " الأنعام 44 الآية. وفى التأويلات النجميةفتحنا عليهم ابواب كل شئ } الأنعام 44 اى من البلاء فى صورة النعماء لارباب الظاهر بالنعمة الباطنة من فتوحات الغيب واراءة الآيات وظواهر الكرامات ورؤية الانوار وكشف الاسرار والاشراف على الخواطر وصفاء الاوقات ومشاهدة الروحانية واشباهها مما يربى به اطفال الطريقة فان كثيرا من متوسطى هذه الطائفة تعتريهم الآفات فى اثناء السلوك عند سآمة النفس من المجاهدات وملالتها من كثيرة الرياضات فيوسوسهم الشيطان وتسول لهم انفسهم انهم قد بلغوا فى السلوك رتبة قد استغنوا بها عن صحبة الشيخ وتسليم تصرفاته فيخرجون من عنده ويشرعون فى الطلب على وفق انفسهم فيقعون فى ورطة الخذلان وسخرة الشيطان فيريهم الاشياء الخارقة للعادة وهم يحسبون انها من نتائج العبادة وكان بعضهم يسير فى البادية وقد اصابه العطش فانتهى الى بئر فارتفع الماء الى رأس البئر فرفع رأسه الى السماء وقال اعلم انك قادر ولكن لا اطيق هذا فلو قيضت لى بعض الاعراب يصفعنى صفعا ويسقينى شربة ماء كان خيرا لى ثم انى اعلم ان ذلك الرفق ليس من جهته.

السابقالتالي
2