الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

{ قل هلمّ } اسم فعل اى احضروا { شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا } وهم قدوتهم الذين ينصرون قولهم ومذهبهم ولا من يشهد بصحة دعواهم كائنا من كان ولذلك قيد الشهداء بالاضافة اليهم وانما امروا باستحضارهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وانه لا متمسك لهم كمن يقلدهم { فان شهدوا } بعدما حضروا بان الله تعالى حرم هذا { فلا تشهد معهم } اى فلا تصدقهم فانه كذب محض وبين لهم فساده { ولا تتبع اهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة } كعبدة الاوثان والموصول الثانى عطف على الموصول الاول بطريق عطف الصفة على الصفة مع اتخاذ الموصوف فان من يكذب بآياته تعالى لا يؤمن بالآخرة وبالعكس { وهم بربهم يعدلون } اى يجعلون له عديلا عطف على لا يؤمنون. والمعنى لا تتبع اهواء الذين يجمعون بين تكذيب آيات الله وبين الكفر بالآخرة وبين الاشراك به سبحانه لكن لا على ان يكون مدار النهى المذكور بل على ان اولئك جامعون لها متصفون بكلها واعلم ان الله تعالى احل الطيبات ورد ما كان اهل الجاهلية يفعلونه من تحريم من عند انفسهم لان الدين يبتنى على الوحى لا على الهوى وحرم الخبائث كالخمر والميتة والدم والخنزير وغير ذلك اى تناولها وبيعها لان ما يحرم تناوله يحرم بيعه واكل ثمنه بخلاف ما اذا كان الانتفاع بغير ذلك كشحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فان ذلك ليس بحرام وما حرمه الله تعالى اما ان يكون بلاء ونقمة كما فعل اليهود وجزاء على انفسهم واما ان يكون رحمة ومنة لعلمه ان فيه ضررا نفسانيا او روحانيا فالنفسانى كضرر السم وامثاله والروحانى كضرر لحوم السباع والمؤذيات وامثالها فانه بتعدى اخلاقها تغير الاخلاق الروحانية كما قال عليه السلام " الرضاع بغير الطباع ". ومن ثم لما دخل الشيخ ابو محمد الجوينى بيته ووجد ابنه الامام ابا المعالى يرتضع ثدى غير امه اختطفه منها ثم نكس رأسه ومسح بطنه وادخل اصبعه فى فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى خرج ذلك اللبن قائلا يسهل علىّ موته ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير امه ثم لما كبر الامام كان اذا حصلت له كبوة فى المناظرة يقول هذه من بقايا تلك الرضعة فعلم ان من ارتضع امرأة فالغالب عليه اخلاقهما من خير وشر وكذا لحوم الحيوانات لها تأثير عظيم وفى الحديث " عليكم بالبان البقر وسمنانها واياكم ولحومها فان البانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء ". وقد صح ان النبى عليه السلام ضحى عن نسائه بالبقر. قال الحليمى هذا ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاصه ذلك به وهذا التأويل المستحسن والا فالنبى عليه السلام لا يتقرب الى الله تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر لتلك اليبوسة.

السابقالتالي
2