الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }

{ يا معشر الجن والانس ألم يأتكم } اى يقول الله تعالى يوم القيامة للثقلين جميعا ألم يأتكم فى الدنيا اى كل فريق منكم { رسل } اى رسول معين من الله تعالى { منكم } صفة لرسل اى كائنة منكم. اعلم ان الجن والانس مكلفون بالاتفاق لكن الرسول اليهم يحتمل ان يكون من جنسهم كما كان جبريل ونحوه رسل الملائكة من جنسهم وخواص البشر رسل الانس من انفسهم لان الجنس الى الجنس اميل والاستفادة والاستئناس فى الجنسية وخواص البشر رسل الانس من انفسهم لان الجنس الى الجنس اميل والاستفادة والاستئناس فى الجنسية اظهر ويحتمل ان يكون من غير جنسهم بان يكون من البشر وذلك لا يمنع الاستفادة لانه يجوز ان يستفيد خواصهم من الرسل ويكونوا رسل الرسول الى قومهم كاستفادة خواص البشر من خواص الملائكة وقد قام الاجماع على ان نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل الى الثقلين ودعا كل واحد من الفريقين الى الايمان بالله واليوم الآخر وقد كان الانبياء قبله يبعثون الى قومهم خاصة واما سليمان عليه السلام فانه لم يبعث الى الجن بالرسالة العامة بل بالملك والضبط والسياسة التامة فقوله تعالى { رسل منكم } اما محمول على المعنى الاول بان يكون الرسل من جنس الفريقين. وقد ذهب اليه الضحاك ومن تبعه حيث قالوا لا معنى للعدول عن الظاهر بغير ضرورة وأيدوه بما قال ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالىومن الارض مثلهن } الطلاق 12. فى كل ارض نبى مثل نبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوح وابراهيم كابراهيم وعيسى كعيسى وصححه صاحب آكام المرجان كيف وابن عباس رضى الله عنهما سلطان المفسرين بالاتفاق ولا معنى لقول السخاوى فى المقاصد الحسنة انه اخذه من الاسرائيليات وهذا كما قالوا ان فى كل سماء كعبة حيالها يطوفها اهلها وكذا فى كل ارض ويناسب هذا ما قاله حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره خطاباً لحضرة الهدائى الآن عوالم كثيرة يتكلم فيها محمود وافتاده كثير واما محمول على المعنى الثانى وهو الذى ادعوا فيه الاجماع وفيه تفصيل شأن البشر فالرسل من الانس خاصة لكن لما جمعوا مع الجن فى الخطاب صح ذلك ونظيرهيخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } الرحمٰن 22. والمرجان يخرج من الملح دون العذب وقيل الرسل يعم رسل الرسل وقد ثبت ان نفرا من الجن قد استمعوا القرآن وانذروا به قومهم هذا ما وفقنى الله تعالى لترتيبه وتهذيبه فى هذا الباب والله يقول الحق ويهدى الى الصواب { يقصون عليكم آياتى } اى يقرأون عليكم كتبى { وينذرونكم لقاء يومكم هذا } يعنى يوم القيامة { قالوا } جوابا عند ذلك التوبيخ الشديد { شهدنا على انفسنا } ان قد بلغنا وهو اعتراف منهم بالكفر واستحقاق العذاب وشهدنا انشاء الشهادة مثل بعت واشتريت فلفظ الماضى لا يقتضى تقدم الشهادة { وغرتهم الحياة الدنيا } فلم يؤمنوا { وشهدوا على انفسهم } فى الآخرة { انهم كانوا } فى الدنيا { كافرين } اى بالآيات والنذر التى أتى بها الرسل وهو ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم فانهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات المخدجة واعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة امرهم ان اضطروا الى الشهادة على انفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذيرا للسامعين من مثل حالهم.