الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ ولا تسبوا } اى لا تشتموا ايها المؤمنون { الذين } اى الاصنام { يدعون } اى يدعونها آلهة ويعبدونها { من دون الله } اى متجاوزين عبادة الله تعالى والمراد بالداعين كفار مكة. وقال المولى ابو السعود رحمه الله اى لا تشتموهم من حيث عبادتهم لآلهتهم كأن تقولوا تبا لكم ولما تعبدونه مثلا { فيسبوا الله عدوا } اى تجاوزا عن الحق الى الباطل بان يقولوا لكم مثل قولكم لهم وهو منصوب على المصدر لكونه نوعا من عامله لان السبب من جنس العدو او على ا نه مفعول له اى لاجل العدو { بغير علم } حال اى يسبونه غير عالمين بالله تعالى وبما يجب ان يذكر به اى مصاحبين للجهل لانهم لوقدروا الله حق قدره لما اقدموا عليه. فان قلت انهم كانوا مقرين بالله وعظمته وان الاصنام انما تعبد ليكونوا شفعاء عند الله فكيف يسبونه. قلت انهم لا يفعلون ذلك صريحا لكن ربما يفضى فعلهم الى ذلك وايضا ان الغيظ والغضب انما يحمل الانسان على التكلم بما ينافى العقل ألا يرى ان المسلم قد يتكلم لشدة غضبه بما يؤدى الى الكفر والعياذ بالله. وفى الآية دليل على ان الطاعة اذا ادت الى معصية راجحة وجب تركها فان ما يؤدى الى الشرشر ألا يرى ان سب الاصنام وطعنها من اصول الطاعات وقد نهى الله تعالى عنه لكونه مؤديا الى معصية عظيمة وهى شتم الله وشتم رسوله وفتح باب السفاهة. قال الحدادى وفى هذا دليل على ان الانسان اذا اراد ان يأمر غيره بالمعروف ويعلم ان المأمور يقع بذلك فى اشد مما هو فيه من شتم او ضرب او قتل كان الاولى ان لا يأمره ويتركه على ما هو فيه قال السعدى قدس سره
مجال سخن تانيابى مكوى جو ميد ان نبينى نكهدار كوى   
{ كذلك } اى مثل ذلك التزيين القوى وهو تزيين المشركين سب الله تعالى وعبادة الاوثان { زينا لكل امة عملهم } من الخير والشر والطاعة والمعصية باحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا او تخذيلا { ثم الى ربهم } مالك امرهم { مرجعهم } اى رجوعهم بالبعث بعد الموت { فينبئهم } بس خبر دهد ايشانرا من غير تأخير { بما كانوا يعملون } فى الدنيا على الاستمرار من السيآت المزينة لهم وهو وعيد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت وفيه نكتة وهى ان كل ما يظهر فى هذه النشأة من الاعيان والاعراض فانما يظهر بصورة مستعارة مخالفة لصورته الحقيقية التى بها يظهر فى النشأة الآخرة فان المعاصى سموم قاتلة قد برزت فى الدنيا بصورة يستحسنها نفوس العصاة كما نطقت به هذه الآية الكريمة وكذا الطاعات فانها مع كونها احسن الاحاسن قد ظهرت عندهم بصورة مكروهة ولذلك قال عليه السلام " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات " فاعمال الكفرة قد برزت لهم فى هذه النشأة بصورة مزينة يستحسنها الطغاة وستظهر فى النشأة الآخرة بصورتها الحقيقية المنكرة الهائلة فعند ذلك يعرفون ان اعمالهم ماذا فعبر عن اظهارها بصورها الحقيقية بالاخبار بها لما ان كلاً منهما سبب للعلم بحقيقتها كما هى كذا فى تفسير الارشاد ويظهر صور الاعمال القبيحة لاهل السلوك فى البرزخ الدنيوى فيجتهدون فى تبديلها ـ حكى ـ عن الشيخ ابى بكر الضرير رحمه الله قال كان فى جوارى شاب حسن الوجه يصوم النهار ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام فجاءنى يوما وقال يا استاذ انى نمت عن وردى الليلة فرأيت كأن محرابى قد انشق وكأنى بجوار قد خرجن من المحراب لم ار احسن اوجها منهن واذا فيهن واحدة شوهاء لم ار اقبح منها منظرا فقلت لمن انتن ولمن هذه فقلن نحن لياليك التى مضين وهذه ليلة نومك فلو مت فى ليلتك هذه لكانت هذه حظك ثم انشأت الشوهاء تقول

السابقالتالي
2