الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }

{ قد جاءكم } اى قل يا محمد للناس وخصوصا لاهل مكة قد جاءكم { بصائر } كائنة { من ربكم } اى دلائل التوحيد وحقية النبوة ودلائل البعث والحساب والجزاء وغير ذلك. والبصائر جمع بصيرة وهى نور تبصر به النفس كما ان البصر نور تبصر به العين فاستعير لفظ البصيرة من القوة المودعة فى القلب لادراك المعقولات للحجة البينة لكون كل واحدة منهما سبب الادراك { فمن ابصر } اى الحق بتلك البصائر وآمن به { فلنفسه } ابصر لان نفعه لها { ومن عمى } اى لم يبصر الحق بعد ما ظهر له بتلك ظهورا بينا وضل عنه وانما عبر بالعمى عنه تقبيحا له وتنفيرا عنه { فعليها } وباله. والاشارة ان الله تعالى اعطى لكل عبد بصيرة لقلبه يبصر بها الحقائق المودعة فى الغيوب والكمالات المعدة لأرباب القلوب كما اعطى بصرا لقالبه يبصر به الاعيان فى الشهادة ما اعد لهم فيها من المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح فمن نظر ببصر البصيرة الى المراتب العلوية الاخروية الباقية وابصر كمالات القرب وما اعد الله مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيشتغل بتحصيله ويقبل على الله بسلوك سبيله ويعرض عن الدنيا الدنية ويترك زينتها وشهواتها الفانية فذلك تحصيل سعادة وكرامة لنفسه فان الله غنى عن العالمين ومن عمى عن النظر بالبصيرة وغير هذه الكمالات لما ابصر ببصر القالب الى الدنيا وزينتها واستلذ بشهواتها واستحلى مراتعها الحيوانية فعميت بصيرته فانها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور فذلك تحصيل شقاوة وخسارة على نفسه كذا فى التأويلات النجمية { وما انا عليكم بحفيظ } وانما انا منذر ومبلغ والله هو الحفيظ عليكم يحفظ اعمالكم ويجازيكم عليها.