الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ }

{ لا تدركه الابصار } البصر حاسة النظر وقد تطلق على العين من حيث انها محله وادراك الشئ عبارة على الوصول اليه والاحاطة به اى لا تصل اليه الابصار ولا تحيط به { وهو يدرك الابصار } اى يحيط بها علمه { وهو اللطيف الخبير } فيدرك ما لا تدركه الابصار ولهذا خص الابصار بادراكه تعالى اياها مع انه يدرك كل شئ لان الابصار لا تدرك نفسها ولا يجوز فى غيره ان يدرك البصر وهو لا يدركه ففيه دليل على ان الخلق لا يدركون بالابصار كنه حقيقة البصر وهو الشئ الذى صار به الانسان يبصر من عينيه دون ان يبصر من غيرهما من سائر اعضائه. اعلم ان الادراك غير الرؤية لان الادراك هو الوقوف على كنه الشئ والاحاطة به والرؤية المعاينة وقد تكون الرؤية بلا ادراك لانه يصح ان يقال رآه وما ادركه فالادراك اخص من الرؤية ونفى الاخص لا يستلزم نفى الاعم فالله يجوز ان يرى من غير ادراك واحاطة كما يعرف فى الدنيا ولا يحاط به يعنى ان معرفة الله تعالى ممكنة من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية اذ منه ما لا تفيه الطاقة البشرية وهو ما وقع به الكمل فى ورطة الحيرة واقروا بالعجز عن حق المعرفة وقالوا ما عرفناك حق معرفتك فذات الله تعالى من حيث تجرده عن النسب والاضافات لا يدرك ولهذا " سئل النبى عليه السلام هل رأيت ربك قال " نورانى اراه ". اى النور المجرد لا يمكن رؤيته وكذا اشار الحق فى كتابه لما ذكر ظهور نوره فى مراتب المظاهر قال الله تعالىالله نور السموات والأرض } النور 35. فلما فرغ من ذكر مراتب التمثيل قالنور على نور } النور 35. فاحد النورين هو الضياء والآخر هو النور المطلق الاصلى ولهذا تمم فقاليهدى الله لنوره من يشاء } النور 35. اى يهدى الله بنوره المتعين فى المظاهر والسارى فيها الى نوره المطلق الاحدى فانما تتعذر الرؤية والادراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والاضافات فاما فى المظاهر ومن ورائية حجابية المراتب فاالدراك ممكن كما قيل
كالشمس تمنعك اجتلاءك وجهها فاذا اكتست برقيق غيم امكنا   
والى مثل هذا اشار النبى صلى الله عليه وسلم فى بيان الرؤية الجنانية المشبهة برؤية الشمس والقمر فاخبر عن اهل الجنة انهم يرون ربهم وانه ليس بينه وبينهم حجاب الا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن فنبه صلى الله عليه وسلم على بقاء الرتبة الحجابية وهى رتبة المظهر وتحقيقه ان اهل الاعتزال بالغوا فى نفى الرؤية واستدلوا على مذهبهم بما ورد فى الصحيحين عن ابى موسى

السابقالتالي
2 3 4 5