الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ }

{ لايقاتلونكم } اى اليهود والمنافقون بمعنى لايقدرون على قتالكم ولايجترئون عليه { جميعا } اى مجتمعين متفقين فى موطن من المواطن { الا فى قرى } جمع قرية وهى مجتمع الناس للتوطن { محصنة } محكمة بالدروب والخنادق وما اشبه ذلك قال الراغب اى مجعولة بالاحكام كالحصون { او من ورآء جدر } دون أن يحضروا لكم ويبارزوكم اى يشافهوكم بالمحاربة لفرط رهبتهم جمع جدار وهو كالحائط الا ان الحائط يقال اعتبارا بالاحاطة بالمكان والجدار يقال اعتبار بالنتو والارتفاع ولذا قيل جدر الشجر اذا خرج ورقه كأنه حمص وجدر الصبى اذا خرج جدرية تشبيها بجدر الشجر { بأسهم بينهم شديد } استئناف سيق لبيان ان ماذكر من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم فى انفسهم فان بأسهم وحربهم بالنسبة الى اقرانهم شديد وانما ضعفهم وجبنهم بالنسبة اليكم بما قذف الله فى قلوبهم من الرعب وايضا ان الشجاع يجبن والعزيز يذل اذا حارب الله ورسوله قال فى كشف الاسرار اذا أراد الله نصرة قوم استأسد أرنبهم واذا أراد الله قهر قوم استرنب اسدهم
اكر مردى ازمردى خود مكوى نه هرشهسوارى بدر برى كوى   
ان قيل ان البأس شدة الحرب فما الحاجة الى الحكم عليه بشديد أجيب بأنه أريد من البأس هنا مطلق الحرب فاخبر بشدته لتصريح الشدة او أريد المبالغة فى اثبات الشدة لبأسهم مبالغة فى شدة بأس المؤمنين لغلبته على بأسهم بتأييد الله ونصرته لهم عليهم والظرف متعلق بشديد والتقديم للحصر ويجوز أن يكون متعلقا بمقدر صفة او حالا اى بأسهم الواقع بينهم او واقعا بينهم فقولهم الظرف الواقع بعد المعرفة يكون حالا البتة ليس بمرضى فان الامرين جائزان بل قد ترجح الصفة { تحسبهم } يا محمد او يأكل من يسمع ويعقل { جميعا } مجتمعين متفقين ذوى ألفة واتحاد { وقلوبهم شتى } اى والحال ان قلوبهم متفرقة لا الفة بينها فهم بخلاف من وصفهم بقولهولكن الله ألف بينهم } جمع شتيت كمرضى ومريض وبالفارسية براكنده وبريشان، يقال شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت وجاؤا اشتاتا اى متفرقين فى النظام وفى الآية تشجيع لقلوب المؤمنين على قتالهم وتجسير لهم وان اللائق بالمؤمن الاتفاق والاتحاد صورة ومعنى كما كان المؤمنون متفقين فى عهد النبى عليه السلام ويقال الاتفاق قوة والافتراق هلكة والعدو ابليس يظفر فى الافتراق بمراده قال سهل أهل الحق مجتمعون ابدا موافقون وان تفرقوا بالابدان وتباينوا بالظواهر واهل الباطن متفرقون ابدا وان اجتمعوا بالابدان وتوافقوا بالظواهر لان الله تعالى يقول { تحسبهم } الخ { ذلك بأنهم } اى ماذكر من تشتت قلوبهم بسبب انهم { قوم لايعقلون } اى لايعقلون شيأ حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون فى تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وتشتت القلوب يوهن قواهم لان صلاح القلب يؤدى الى صلاح الجسد وفساده الى فساده كما قالوا كل اناء يترشح بما فيه علم ان الله تعالى ذم الكفار فى القرءآن بكل من عدم الفقه والعلم والعقل قال الراغب الفقه هو التوصل الى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم والعلم ادراك الشىء بحقيقته وهو نظرى وعملى وايضا عقلى وسمعى والعقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذى يستفيده الانسان بتلك القوة عقل ولهذا قال امير المؤمنين على رضى الله عنه، وان العقل عقلان، فمسموع ومطبوع، ولاينفع مطبوع، اذا لم يك مسموع، كما لاتنفع الشمس، وضوء العين ممنوع، والى الاول أشار عليه السلام بقوله

السابقالتالي
2