الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ ومالكم الا تنفقوا فى سبيل } اى واى شىء لكم من أن تنفقوا فيما هو قربة الى الله ماهو له فى الحقيقة وانما أنتم خلفاؤه فى صرفه الى ماعينه من المصارف فقوله { فى سبيل الله } مستعار لما يكون قربة اليه وقال بعضهم معناه لاجل الله { ولله ميراث السموات والارض } حال من فاعل لاتنفقوا او مفعوله المحذوف اى ومالكم فى ترك انفاقها فى سبيل الله والحال انه لايبقى لكم منها شىء بل تبقى كلها لله بعد فناء الخلق واذا كان كذلك فانفاقها بحيث تستخلف عوضا يبقى وهو الثواب كان اولى من الامساك لانها اذا تخرج من أيديكم مجانا بلا عوض وفائدة قال الراغب وصف الله نفسه بانه الوارث من حيث ان الاشياء كلها صائرة اليه وقال ابو الليث انما ذكر لفظ الميراث لان العرب تعرف ان ماترك الانسان يكون ميراثا فخاطبهم بما يعرفون فيما بينهم قال بعض الكبار اولا ان القلوب مجبولة على حب المال مافرضت الزكاة ومن هنا قال بعضهم ان العارف لا زكاة عليه والحق ان عليه الزكاة كما ان عليه الصلاة والطهارة من الجنابة ونحوهما لانه يعلم ان نفسه مجموع العالم ففيها من يحب المال فيوفيه حقه من ذلك الوجه باخراجها فهو زاهد من وجه وراغب من وجه آخر وقد اخرج رسول الله عليه السلام صدقة ماله فالكامل من جمع بين الوجهين اذا الوجوب حقيقة فى المال لا على المكلف لانه انما كلف باخراج الزكاة من المال لكون المال لايخرج بنفسه فللعارفين المحبة فى جميع العالم كله وان تفاضلت وجوهها فيحبون جميع مافى العالم بحب الله تعالى فى ايجاد ذلك لامن جهة عين ذلك الموجود فلابد للعارف أن يكون فيه جزء يطلب مناسبة العالم ولولا ذلك الجزء ما كانت محبة ولا محبوب ولا تصور وجودها وفى كلام عيسى عليه السلام قلب كل انسان حيث ماله فاجعلوا اموالكم فى السماء تكن قلوبكم فى السماء فحث اصحابه على الصدقة لما علم ان الصدقة تقع بيد الرحمن وهو يقول ءأمنتم من فى السماء فانظر ما أعجب كلام النبوة وما أدقه وأحلاه وكذلك لما علم السامرى ان حب المال ملصق بالقلوب صاغ لهم العجل من حليهم بمرأى منهم لعلمه ان قلوبهم تابعة لاموالهم ولذلك لما سارعوا الى عبادة العجل دعاهم اليها فعلم ان العارف من حيث سره الربانى مستخلف فيما بيده من المال كالوصى على مال المحجور عليه يخرج عنه الزكاة وليس له فيه شىء ولكن لما كان المؤمن لحجابه يخرجها بحكم الملك فرضت عليه الزكاة لنال بركات ثواب من رزىء فى محبوبه والعارف لايخرج شيأ بحكم الملك والمحبة كالمؤمن انما يخرج امتثالا للامر ولا تؤثر محبت فلمال فى محبته الله تعالى لانه ما أحب المال الا بتحبيب الله ومن هنا قال سليمان عليه السلام هب لى ملكا لاينبغى لاحد من بعدى انك أنت الوهاب فما طلب الا من نسبة فاقة فقير الى غنى، ثم اعلم ان المال انما سمى مالا لميل النفوس اليه فان الله تعالى قد أشهد النفوس مافى المال من قضاء الحاجات المجبول عليها الانسان اذ هو فقير بالذات ولذلك مال الى المال بالطبع الذى لاينفك عنه ولو كان الزهد فى المال حقيقة لم يكن مالا ولكان الزهد فى الآخرة اتم مقاما من الزهد فى الدنيا وليس الامر كذلك فان الله تعالى قد وعد بتضعيف الجزآء الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف فلو كان القليل منه حجاب لكان الكثير منه اعظم حجابا فالدنيا للعارف صفة سليمانية كمالية وما اليق قوله

السابقالتالي
2 3 4 5