الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

{ قل يا اهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق } اى غلوا باطلا فترفعوا عيسى الى ان تدعوا له الالوهية كما ادعته النصارى او تضعوه فتزعموا انه لغير رشدة كما زعمته اليهود { ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل } يعنى اسلافهم وائمتهم الذين قد ضلوا قبل مبعث محمد عليه السلام فى شريعتهم { وأضلوا كثيرا } اى من تابعهم على بدعهم وضلالهم { وضلوا عن سواء السبيل } عن قصد السبيل الذى هو الاسلام بعد مبعثه لما كذبوه وبغوا عليه وحسدوه. قال الشيخ نجم الدين فى تأويلاته ان النصارى لما ارادوا ان يسلكوا طريق الحق بقدم الفعل وينظروا الى احوال الانبياء بنظر العقل تاهوا فى اودية الشبهات وانقطعوا فى بوادى الهلكات جل جناب القدس عن ادراك عقول الانس هيهات هيهات وهذا حال من يحذو حذوهم ويقفوا اثرهم فاطرت النصارى عيسى عليه السلام اذ نظروا بالعقل فى امره فوجدوه مولودا من ام بلا اب فحكم عقلهم ان لا يكون مولود بلا اب فينبغى ان يكون هو ابن الله واستدلوا على ذلك بانه يخلق من الطين كهيئة الطير ويبرىء الاكمه والابرص ويحيى الموتى ويخبر عما يأكلون فى بيوتهم وما يدخرون وهذا من صفات الله تعالى ولو لم يكن المسيح ابن الله لما امكنه هذا وانما امكنه لان الولد سر ابيه. وقال بعضهم ان المسيح لما استكمل تزكية النفس عن صفات الناسوتية حل لاهوتية الحق فى مكان ناسوتيته فصار هو الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ثم اعلم ان امة محمد لما سلكوا طريق الحق باقدام جذبات الالوهية على وفق المتابعة الحبيبية اسقط عنهم كلفة الاستدلال ببراهين الوصول والوصال كما كان حال الشبلى حين غسل كتبه بالماء وكان يقول نعم الدليل انتم ولكن اشتغالى بالدليل بعد الوصول الى المدلول محال وفى المثنوى
جون شدى بر بامهاى آسمان سرد باشد جست وجوى نردبان آينه روشن كه شد صاف وجلى جهل باشد بر نهادن صيقلى ييش سلطان خوش نشسته درقبول جهل باشد جستن نامه ورسول   
فهؤلاء القوم بعدما وصلوا الى سرادقات حضرة الجلال شاهدوا بانوار صفات الجمال ان الانسان هو الذى حمل امانة الحق من بين سائر المخلوقات وهى نور فيض الالوهية بواسطة الانبياء فهم مخصوصون باحسن التقويم فى قبول هذا الكمال فتحقق لهم ان عيسى عليه السلام صار قابلا بعد التزكية للتخلية بفيض الخالقية والمحبية كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا باذن الله ويبرىء الاكمه والابرص ويحيى الموتى باذن الله لا باذنه اعنى كان صورة الفعل منه ومنشأ صفة الخالقية حضرة الالوهية وهذا كما ان لكرة البلور المخروط استعدادا فى قبول فيض الشمس اذا كانت فى محاذاتها فتقبل الفيض وتحرق المحلوج المحاذى لها بذلك الفيض فمصدر الفعل المحرق من الكرة ظاهرا ومنشأ الصفة المحرقية حضرة الشمس حقيقة فصار للكرة بحسن الاستعداد قابلية لفيض الشمس وظهر منها صفات الشمس وما جلت الشمس فى كرة البلور تفهم ان شاء الله وتغتنم فكذلك حال الانبياء فى المعجزات وكبار الاولياء فى الكرامات والفرق ان الانبياء مستقلون بهذا المقام والاولياء متبعون.

السابقالتالي
2