الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

{ وانزلنا اليك } يا محمد { الكتاب } اى القرآن حال كونه ملتبسا { بالحق } والصدق حال كونه { مصدقا لما بين يديه من الكتاب } اى مصدقا لما تقدمه من جنس الكتب المنزلة من حيث انه نازل حسبما نعت فيه وموافقا له فى التوحيد والعدل واصول الشرائع { ومهيمنا عليه } اى رقيبا على سائر الكتب المحفوظة عن التغير فانه يشهد لها بالصدق والصحة والثبات وتقرر اصول شرائعها وما يتأبد من فروعها ويعين احكامها المنسوخة ببيان انتهاء مشروعيتها المستفادة من تلك الكتب وانقضاء وقت العمل بها ولا ريب ان تمييز احكامها الباقية على المشروعية ابدا عما انتهى وقت مشروعيته وخرج عنها من احكام كونه مهيمنا عليها { فاحكم بينهم } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها اى اذا كان شأن القرآن كما ذكر فاحكم بين اهل الكتاب عند تحاكمهم اليك { بما انزل الله } اى بما انزل اليك فانه مشتمل على جميع الاحكام الشرعية الباقية فى الكتب الالٰهية { ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق } بالانحراف عنه الى ما يشتهونه فعن متعلقة بلا تتبع على تضمين معنى العدول ونحوه كأنه قيل لا تعدل عما جاءك من الحق متبعا اهواءهم { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } الخطاب بطريق الالتفات للناس كافة لكن لا للموجودين خاصة بل للماضين ايضا بطريق التغليب واللام متعلقة بجعلنا المتعدى لواحد وهو اخبار بجعل ماض لا انشاء وتقديمها عليه للتخصيص ومنكم متعلق بمحذوف وقع صفة لما عوض عنه تنوين كل والمعنى لكل امة كائنة منكم ايها الامم الباقية والخالية جعلنا اى عينا ووضعنا شرعة ومنهاجا خاصين بتلك الامة لا تكاد أمة تتخطى شرعتها التى عينت لها فالأمة من مبعث موسى الى مبعث عيسى عليهما السلام شرعتهم التوراة والتى كانت من مبعث عيسى الى مبعث النبى عليهما السلام شرعتهم الانجيل واما انتم ايها الموجودون فشرعتكم القرآن ليس الا فآمنوا به واعملوا بما فيه والشرعة والشريعة هى الطريقة الى الماء شبه بها الدين الذى شرعه الله اى سنه من نحو الصوم والصلاة والحج والنكاح وغير ذلك من وجوه الصلاح لكونه سبيلا موصلا الى ما هو سبب للحياة الابدية كما ان الماء سبب للحياة الفانية والمنهاج الطريق الواضح فى الدين من نهج الامر اذا وضح قيل فيه دليل على انا غير متعبدين بشرائع من قبلها والتحقيق انا متعبدون باحكامها الباقية من حيث انها احكام شريعتنا لا من حيث انها شرعة للاولين { ولو شاء الله } ان يجعلكم امة واحدة { لجعلكم امة واحدة } اى جماعة واحدة متفقة على دين واحد فى جميع الاعصار من غير اختلاف بينكم وبين من قبلكم من الامم فى شىء من الاحكام الدينية ولا نسخ ولا تحويل { ولكن } لم يشأ ذلك اى ان يجعلكم امة واحدة بل شاء ما عليه ألسنة الالهية الجارية فيما بين الامم { ليبلوكم } اى ليعاملكم معاملة من يبتليكم { فيما آتاكم } من الشرائع المختلفة المناسبة لاعصارها وقرونها هل تعملون بها مذعنين معتقدين ان اختلافها بمقتضى المشيئة الالٰهية المبنية على اساس الحكم البالغة والمصالح النافعة لكم فى معاشكم ومعادكم او تزيغون عن الحق وتتبعون الهوى وتستبدلون المضرة بالجدوى وتشترون الضلالة بالهدى وفى المثنوى

السابقالتالي
2