الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ }

{ فطوعت له نفسه قتل اخيه } من طاع له المرتع اذا اتسع اى وسعته وسهلته اى جعلته سهلا وهوّنته وتقدير الكلام فصورت له نفسه ان قتل اخيه طوع له سهل عليه ومتسع له لا ضيق فيه ولا حرج فان قتل النفس بغير حق لا سيما قتل الاخ اذا تصوره الانسان يجده شيئاً عاصيا نافرا كل النفرة عن دائرة الشرع والعقل بعيدا عن الاطاعة والانقياد البتة ثم ان النفس الامارة اذا استعملت القوة السبعية الغضبية صار ذلك الفعل اسهل عليها فكأن النفس صيرته كالمطيع لها بعد ان كان كالعاصى المتمرد عليها ويتم الكلام بدون اللام بان يقال فطوعته نفسه قتل اخيه الا انه جيىء باللام لزيادة الربط كما فى قولك حفظت لزيد ماله مع تمام الكلام بان يقال حفظت مال زيد { فقتله } قيل لم يدر قابيل كيف يقتل هابين فتمثل ابليس طائرا او حية ووضع رأسه على الحجر ثم شدخها بحجر آخر وقابيل ينظر فتعلم منه فوضع رأس هابيل بين حجرين وهو مستسلم لا يستعصى عليه او اغتاله وهو نائم وغنمه ترعى وذلك عند جبل ثور او عقبة حراء او بالبصرة فى موضع المسجد الاعظم وكان لهابيل يوم قتله عشرون سنة وعن بعض الكبار ان آدم لما هبط الى الارض تفكر فيما اكل فاستقاء فنبتت شجرة السم من قيئه فاكلت الحية ذلك السم ولذا صارت مؤذية مهلكة وكان قد بقى شىء مما اكل فلما غشى حواء حصل قابيل ولذا كان قاتلا باعثا للفساد فى وجه الارض { فاصبح من الخاسرين } خسر دينه ودنياه. قال ابن عباس رضى الله عنهما خسر دنياه وآخرته اما الدنيا فانه اسخط لوالديه وبقى مذموما الى يوم القيامة واما الآخرة فهو العقاب العظيم { فبعث الله غرابا } ارسله { يبحث فى الارض } البحث بالفارسية " بكندن " { ليريه } المستكن الى الله تعالى او للغراب واللام على الاول متعلقة ببعث حتما وعلى الثانى بيبحث ويجوز تعلقها ببعث ايضا { كيف يوارى } يستر { سوأة اخيه } اى جسده الميت فانه مما يستقبح انه يرى وقيل عورته لانه كان قد سلب ثيابه. وكيف حال من ضمير يوارى والجملة ثانى مفعولى يرى ـ روى ـ انه لما قتله تركه بالعراء اى الارض الخالية عن الاشجار ولم يدر ما يصنع به لانه كان اول ميت على وجه الارض من بنى آدم فخاف عليه السباع فحمله فى جراب على ظهره اربعين يوما او سنة حتى اروح وعفت عليه الطيور والسباع تنظر متى يرمى به فتأكله فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل احدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه حفرة فالقاه فيها وواراه وقابيل ينظر اليه وكأنه قيل فماذا قال عند مشاهدة حال الغراب فقيل { قال يا ويلتا } هى كلمة جزع وتحسر والالف بدل من ياء المتكلم والمعنى يا ويلتى احضرى فهذا اوانك والنداء وان كان اصله لمن يتأتى منه الاقبال وهم العقلاء الا ان العرب تتجوز وتنادى ما لا يعقل اظهارا للتحسر ومثله يا حسرة على العباد والويل والويلة الهلكة { أعجزت ان اكون } اى عن ان اكون { مثل هذا الغراب فاوارى سوأة اخى } تعجب من عدم اهتدائه الى ما اهتدى اليه الغراب وقوله فاوارى بالنصب عطف على اكون اى اعجزت عن كونى مشبها بالغراب فمواريا { فاصبح من النادمين } اى على قتله لما كان من التحير فى امره وحمله على رقبته مدة طويلة وغير ذلك فلما كان ندمه لاجل هذه الاسباب لا للخوف من الله بسبب ارتكاب المعصية لم يكن ندمه توبة ولم ينتفع بندمه ـ روى ـ انه لما قتل ابن آدم اخاه رجفت الارض بما عليها سبعة ايام ثم شربت الارض دمه كشرب الماء فناداه الله اين اخوك هابيل قال ما ادرى ما كنت عليه رقيبا فقال الله تعالى ان دم اخيك لينادينى من الارض فلم قتلت اخاك قال فاين دمه ان كنت قتلته فحرم الله تعالى على الارض يومئذ ان تشرب دما بعده ابدا.

السابقالتالي
2 3 4 5