الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

{ ذلك } اى الحكم الذى تقدم تفصيله { ادنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها } اى اقرب الى ان تؤدى الشهود الشهادة على وجهها الذى تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة خوفا من العذاب الاخروى هذا كما ترى حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المذكور { او يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم } بيان لحكمة شرعية رد اليمين على الورثة معطوف على مقدر ينبىء عنه المقام كأنه قيل ذلك ادنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة او يخافوا الافتضاح على رؤس الاشهاد بابطال ايمانهم والعمل بايمان الورثة فينزجروا عن الخيانة المؤدية اليه فأى الخوفين وقع حصل المقصود الذى هو الاتيان بالشهادة على وجهها { واتقوا الله } فى شهادتكم فلا تحرفوها وفى ايمانكم فلا تحلفوا ايمانا كاذبة وفى اماناتكم فلا تخونوها وفيما بينه الله من الاحكام فلا تخالفوا حكمه { واسمعوا } ما توعظون به كائنا ما كان سمع طاعة وقبول { والله لا يهدى القوم الفاسقين } الخارجين عن الطاعة اى فان لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم فاسقين والله لا يهدى القوم الفاسقين اى الى طريق الجنة او الى ما فيه نفعهم. واعلم ان الشهادة فى الشرع الاخبار عن امر حضره الشهود وشاهدوه اما معاينة كالافعال نحو القتل والزنى او سماعا كالعقود والاقرارات فلا يجوز له ان يشهد الا بما حضره وعلمه وسمعه ولهذا لا يجوز له اداء الشهادة حتى تذكر الحادثة وفى الحديث " اذا علمت مثل الشمس فاشهد والا فدع ". وفى الشهادة احياء حقوق الناس وصون العقود عن التجاحد وحفظ الاموال على اربابها وفى الحديث " اكرموا شهودكم فان الله يستخرج بهم الحقوق ". ومن تعين للتحمل لا يسعه ان يمتنع اذا طلب لما فيه من تضييع الحقوق الا ان يقوم الحق بغيره بان يكون فى الصك سواه ممن يقوم الحق به فيجوز له الامتناع لان الحق لا يضيع بامتناعه وهو مخير فى الحدود بين الشهادة والستر لان اقامة الحدود حسبة والستر على المسلم حسبة والستر افضل وفى الحديث " من ستر على مسلم ستره الله عليه فى الدنيا والآخرة ". ثم اعلم ان اليمين الفاجرة تبقى الديار بلاقع فينبغى لطالب الآخرة ان يجتنب عن الكذب لطمع الدنيا وان يختار الصدق فى كل قول وفعل قال الحافظ
طريق صدق بياموز ازآب صافىدل براستى طلب آزادكى جو سروجمن   
والامانة من الاوصاف الجميلة والله تعالى يأمر باداء الامانات وان قل اصحابها فى هذا الزمان ولله درالقائل
امين مجوى ومكوبا كسى امانت عشق درين مكرجبرئيل امين باشد   
وعاقبة الخيانة الافتضاح كما قال الصائب
خيانتهاى بنهان ميكشد آخر برسوايى كه دزدخانكىرا شحنه دربازار ميكردد   
فلا بد من التقوى وسماع الاحكام الازلية والله لا يهدى الى حضرته القوم الفاسقين يعنى الذين كانوا خارجين عند رشاش النور واصابته كما قال عليه السلام " فمن اصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن اخطأه فقد ضل ". عصمنا الله واياكم من مخالفة امره ولا يجعلنا ممن ضاع انفاس عمره انه هو الموفق والمرشد والوهاب.