الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر } السخرية ان يحقر الانسان اخاه ويستخفه ويسقطه عن درجته ويعده ممن لا يلتفت اليه اى لا يستهزئ { قوم } اى منكم وهو اسم جمع لرجل { من قوم } آخرين ايضا منكم والتنكير اما للتعميم او للتبعيض والقصد الى نهى بعضهم عن سخرية بعض لما انها مما يجرى بين بعض وبعض فان قلت المنهى عنه هو ان يسخر جماعة من جماعة فيلزم ان لا يحرم سخرية واحد من واحد قلت اختيار الجمع ليس للاحتراز عن سخرية الواحد من الواحد بل هو لبيان الواقع لان السخرية وان كانت بين اثنين الا ان الغالب أن تقع بمحضر جماعة يرضون بها ويضحكون بسببها بدل ما وجب عليهم من النهى شركاء الساخر فى تحمل الوزر ويكونون والانكار ويكونون بمنزلة الساخرين حكما فنهوا عن ذلك يعنى انه من نسبة فعل البعض الى الجميع لرضاهم به فى الاغلب او لوجوده فيما بينهم والقوم مختص بالرجال لانهم قوامون على النساء ولهذا عبر عن الاناث بما هو مشتق من النسوة تفتح النون وهو ترك العمل ويؤيده قول زهير
وما ادرى ولست اخال ادرى أقوم آل حصن ام نساء   
{ عسى } شايد { ان يكونوا } باشند { خيرا منهم } تعليل للنهى اى عسى ان يكون المسخور منهم خيرا عند الله من الساخرين ولا خبر لعسى لاغناء الاسم عنه { ولا نساء } اى ولا تسخر نساء من المؤمنات وهو اسم جمع لامرأة { من نساء } منهن وانما لم يقل امرأة من رجل ولا بالعكس للاشعار بان مجالسة الرجل المرأة مستقبح شرعا حتى منعوها عن حضور الجماعة ومجلس الذكر لان الانسان انما يسخر ممن يلابسه غالبا { عسى ان يكن } اى المسخور منهن { خيرا منهن } اى من الساخرات فان مناط الخميرية فى الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والاشكال ولا الاوضاع والاطوار التى عليها يدور امر السخرية غالبا بل انما هو الامور الكامنة فى القلوب فلا يجترئ احد على استحقار أحد فعله اجمع منه لما نيط به من الخيرية عند الله فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله واستهانة من عظمه الله وفى التأويلات النجمية يشير الى انه لا عبرة بظاهر الخلق فلا تنظر الى احد بنظر الا زرآء والاستهانة والاستخفاف والاستحقار لان فى استحقار اخيك عجب نفسك مودع كما نظر ابليس بنظر الحقارة الى آدم عليه السلام فأعجبه نفسه فقال انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين فلعن الى الابد لهذا المعنى فمن حقر أخاه المسلم وظن انه خير منه يكون ابليس وقته واخوه آدم وقته ولهذا قال تعالى { عسى ان يكونوا خيرا منهم } فبالقوم يشير الى اهل المحبة وارباب السلوك فانهم مخصوصون بهذا الاسم كما قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6