الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ }

{ مثل الجنة التى وعد المتقون } عبر عن المؤمنين بالمتقين ايذانا بان الايمان والعمل الصالح من باب التقوى الذى هو عبارة عن فعل الواجبات باسرها وترك السيئات عن آخرها ومثلها وصفها العجيب الشان وهو مبتدأ محذوف الخبر اى مثل الجنة الموعودة للمؤمنين وصفتها العجيبة الشان ما تسمعون فيما يتلى عليكم وقوله { فيها } اى فى الجنة الموعودة الى آخره مفسر له { انهار } جمع نهر بالسكون ويحرك مجرى الماء الفائض { من ماء غير آسن } من اسن الماء بالفتح من باب ضرب او نصر أو بالكسر اذا تغير طعمه وريحه تغيرا منكرا وفى عين المعانى من اسن غشى عليه من رآئحة البئر وفى القاموس الآسن من الماء الاجن اى المتغير الطعم واللون والمعنى من ماء غير متغير الطعم والرآئحة واللون وان طالت اقامته بخلاف ماء الدنيا فانه يتغير بطول المكث فى مناقعه وفى اوانيه مع انه مختلف الطعوم مع اتحاد الارض ببساطتها وشدة اتصالها وقد يكون متغيرا بريح منتنة من أصل خلقته او من عارض عرض له من منبعه او مجراه كذا فى المناسبات. يقول الفقير قد صح ان المياه كلها تجرى من تحت الصخرة فى المسجد الاقصى فهى ماء واحد فى الاصل عذب فرات سائغ للشاربين وانما يحصل التغير من المجارى فان طباعها ليست متساوية دل عليها قوله تعالىوفى الارض قطع متجاورات } وتجاور اجزآئها لا يستلزم اتحادها فى نفس الامر بل هى متجاورة مختلفة ومثلها العلوم فانها اذا مرت بطبع غير مستقيم تتغير عن اصلها فتكون فى حكم الجهل ومن هذا القبيل علوم جميع أهل الهوى والبدع والضلال { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } بأن كان قارصا وهو الذى يقرص اللسان ويقبضه او حازرا بتقديم الزاى وهو الحامض او غير ذلك كألبان الدنيا والمعنى لم يتغير طعمه بنفسه عن أصل خلقته ولو أنهم ارادوا تغييره بشهوة اشتهوها تغير { وانهار من خمر } وهو ما اسكر من عصير العنب او عام اى لكل مسكر كما فى القاموس { لذة للشاربين } اما تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب وطبيب او مصدر نعت به اى لذيذة ليس فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار كما فى خمر الدنيا وانما هى تلذذ محض قال الحافظ مادر بياله عكس رخ يار ديده ايم اى بى خبرز لذت شرب مدام ما يقول الفقير باده جنت مثال كوثرست اى هوشيار نيست اندر طبع كوثر آفت سكر وخمار { وانهار من عسل } هو لعاب النحل وقيئه كما قال ظهير الفارابى بدان غرض دهن خوش كنى زغايت حرص نشسته مترصدكه فى كندزنبور. وعن على رضى الله عنه انه قال فى تحقير الدنيا أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة واشرف شرابه رجيع نحلة وظاهر هذا انه من غير الفم قال فى حياة الحيوان وبالجملة انه يخرج من بطون النحل ولا ندرى أمن فمها ام من غيره وقد سبق جملة النقل فى سورة النحل { مصفى } لا يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها خلقه الله مصفى لا انه كان مختلطا فصفى قال بعضهم فى الفرق بين الخالص والصافى ان الخالص ما زال عنه شوبه بعد ان كان فيه والصافى قد يقال لما لا شوب فيه فقد حصل بهذا غاية التشويق الى الجنة بالتمثيل بما يستلذ من اشربة الدنيا لانه غاية ما نعلم من ذلك مجردا عما ينقصها او ينغصها مع الوصف بالغزارة والاستمرار وبدأ بأنهار الماء لغرابتها فى بلاد العرب وشدة حاجتهم اليها ولما كان خلوها عن تغير أغرب نفاه بقوله غير آسن ولما كان اللبن اقل فكان جريه انهارا اغرب ثنى به ولما كان الخمر اعز ثلث به ولما كان العسل اشرفها واقلها ختم به قال كعب الاحبار نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ونهر الفرات نهر لبنهم ونهر مصر نهر خمرهم ونهر سيحان نهر عسلهم وهذه الانهار الاربعة تخرج من نهر الكوثر قال ابن عباس رضى الله عنهما ليس هنا مما فى الجنة سوى الاسامى قال كعب قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف انهار الجنة فقال

السابقالتالي
2 3 4