الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ }

{ ما خلقنا السموات والارض } بما فيهما من حيث الجزئية منهما ومن حيث الاستقرار فيهما { وما بينهما } من المخلوقات كالنار والهواء والسحاب والامطار والطيور المختلفة ونحوها { الا } خلقا ملتبسا { بالحق } اى بالغرض الصحيح والحكمة البالغة وان جعلها مقارا للمكلفين ليعملوا فيجازيهم يوم القيامة لا بالعبث والباطل فانه ما وجد شئ الا لحكمة والوجود كله كلمات الله ولكل كلمة ظهر هو الصورة وبطن هو المعنى الى سبعة أبطن كما ورد فى الخبر " ان لكل حق حقيقة " فالوجود كله حق حتى ان النطق بكلمات لا معانى لها حق فانها قد وجدت والباطل هو المعنى الذى تحتها كقول من يقول مات زيد ولم يمت فان حروف الكلمة حق فانها قد وجدت والباطل هو ان زيدا مات وهو المعنى الذى تحتها فالدنيا حق وحقيقتها الآخرة والبرزخ وصل بينهما وربط ومن ههنا يعرف قول على رضى الله عنه الناس نيام واذا ماتوا تيقظوا فالرؤيا حق وكذا ما فى الحارج من تعبيرها لكن كلا منهما خيال بالنسبة الى الآخرة لكونه من الدنيا وكونه خيالا ومن الدنيا لا ينافى كونه حقا وانما ينافى كونه حقيقة ولذا قال يوسف الصديق عليه السلاميا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا } وقال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر انما الكون خيال وهو حق فى الحقيقة وفى الآية اشارة الى ان المخلوقات كلها ما خلقت الا لمعرفة الحق تعالى كما قال فخلقت الخلق لاعرف وفى الحديث " لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على البحور ولزالت بدعائكم الجبال " ولهذه المعرفة خلقت سموات الارواح واراضى النفوس وما بينهما من العقول والقلوب والقوى { واجل مسمى } عطف على الحق بتقدير المضاف اى وبتقدير أجل معين ينتهى اليه امور الكل وهو يوم القيامة وذلك لان اقتران الخلق ليس الا به لا بالاجل نفسه وفيه ايذان بفناء العالم وموعظة وزجر اى فانتبهوا ايها الناس وانظروا ما يراد بكم ولم خلقتم واشارة بان لكل عارف اجل مسمى لمعرفته واكثره فى هذه الامة اربعون سنة فانها منتهى السلوك فلا يغتر العبد بعلمه وعرفانه فانه فوق كل ذى علم عليم ولكل حد نهاية والامور مرهونة بأوقاتها وأزمانها وهذا بالنسبة الى من سلك على الفطرة الاصلية وعصم من غلبة احكام الامكان والا فمن الناس من يجتهد سبعين سنة ثم لا يقف دون الغاية ثم انه فرق بين اوائل المعرفة وأواخرهم فان حصول اواخرها يحتاج الى مدة طويلة بخلاف اوائلها اذ قد تحصل للبعض فى أدنى مدة بل فى لحظة كما حصلت لسحرة فرعون فانهم حيث رأوا معجزة موسى عليه السلام قالوا آمنا برب العالمين وحكى ان ابراهيم بن ادهم قدس سره لما قصد هذا الطريق لم يك الا مقدار سيره من بلخ الى مروالروذ حتى صار بحيث اشار الى رجل سقط من القنطرة فى الماء الكثير هنالك فوقف الرجل مكانه فى الهوآء فتخلص وان رابعة البصرية كانت امة كبيرة يطاف بها فى سوق البصرة ولا يرغب فيها احد لكبر سنها فرحمها بعض التجار فاشتراها بنحو مائة درهم واعتقها فاختارت هذا الطريق وأقبلت على العبادة فما تمت لها سنة حتى زارها زهاد البصرة وقرآؤها وعلماؤها لعظم منزلتها فهذا من العناية القديمة والارادة الازلية الغير المعللة بشئ من العلل.

السابقالتالي
2 3