الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ ما خلقناهما } وما بينهما ملتبسا بشئ من الاشياء { الا } مللتبسا { بالحق } فهو استثناء مفرغ من اعم الاحوال او ما خلقناهما بسبب من الاسباب الا بسبب الحق الذى هو الايمان والطاعة والبعث والجزآء فهو استثناء من اعم الاسباب { ولكن اكثرهم } اى كفار مكة بسبب الغفلة وعدم الفكرة { لا يعلمون } ان الامر كذلك فينكرون البعث والجزآء والآية دليل على ثبوت الحشر فانه لو لم يحصل البعث والجزآء لكان هذا الخلق عبثا لانه تعالى خلقهم وما ينتظم به اسباب معايشهم ثم كلفهم بالايمان والطاعة ليتميز المطيع من العاصى بأن يكون الاول متعلق فضله واحسانه والثانى متعلق عدله وعقابه وذلك لا يكون فى الدنيا لقصر زمانها وعدم الاعتداد بمنافعها لكونها مشوبة بانواع المضار والمحن فلا بد من البعث والجزآء لتوفى كل نفس ما عملت فالجزآء هو الذى سبقت اليه الحكمة فى خلق العالم من رأسها اذ لو لم يكن الجزآء كما يقول الكافرون لاستوت عند الله احوال المؤمن والكافر وهو محال. اعلم ان التجليات الوجودية انما هى للتجليات الشهودية فكل من السموات والارض الصورية وما بينهما من الموجودات مظاهر صفات الحق فهى كالاصداف والصفات كالدرر والمقصود بالذات انما هو الدرر لا الاصداف كما ان المقصود من المرءآة انما هو الصورة المرئية فيها فكان كل موجود كاللباس على سر من الاسرار الالهية وكذا كل وضع من اوضاع الشريعة رمز الى حقيقة من الحقائق فلا بد من اقامته لتحصل حقيقته وهذا بالنسبة الى الآفاق واما بالنسبة الى الانفس فالارواح كالسموات والاشباح كالارض والقلوب والاسرار والنفوس كما بينهما وكلها مظاهر حق لا سيما القلوب اصداف درر المعارف الالهية التى لم يخلق الانس والجن الا لتحصيلها ولكن مرآة قلب اكثرهم مكدرة بصدأ صفات البشرية وهم لا يعلمون انهم مرءآة لظهور صفات الحق ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " من عرف نفسه " يعنى بالمرءآتية عند صفائها " فقد عرف ربه " اى بتجلى صفاته فيها فقد عرفت انه ما فى الوجود الا الحق واما الباطل فاضافى لا يقدح فى ذلك الا ترى الى الشيطان فانه باطل من حيث وجوده الظلى ومن حيث دعوة الخلق الى الباطل والضلال لكنه حق فى نفسه لانه موجود وكل موجود فهو من التجليات الالهية حكى ان رجلا راًى خنفساء فقال ماذا يريد الله من خلق هذه أحسن شكلها ام طيب ريحها فابتلاه الله بقرحة عجز عنها الاطباء حتى ترك علاجها فسمع يوما صوت طبيب من الطرقيين ينادى فى الدرب فقال هاتوه حتى ينظر فى امرى فقالوا ما تصنع بطرقى وقد عجز عنك حذاق الاطباء فقال لا بد لى منه فلما حضروه ورأى القرحة استدعى بخنفساء فضحك الحاضرون فتذكر العليل القول الذى سبق منه فقال احضروا ما طلب فان الرجل على بصيرة فأحرقها ووضع رمادها على قرحته فبرئت باذن الله تعالى فقال للحاضرين ان الله تعالى اراد ان يعرفنى ان أخس المخلوقات اعز الادوية.

السابقالتالي
2