الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ }

{ كذلك } الكاف فى حيز النصب وذلك اشارة الى مصدر فعل يدل عليه تركوا اى مثل ذلك السلب سلبناهم اياها { واورثناها قوما آخرين } فهو معطوف على الفعل المقدر وايراثها تمليكها مخلفة عليهم او تمكينهم من التصرف فيها تمكين الوارث فيما يرثه اى جعلنا اموال القبط لقوم ليسوا منهم فى شئ من قرابة ولا دين ولا ولاء وهم بنوا اسرائيل كانوا مسخرين لهم مستعبدين فى ايديهم فأهلكهم الله واورثهم ديارهم وملكهم واموالهم وقيل غيرهم لانهم لم يعودوا الى مصر قال قتادة لم يرو فى مشهور التواريخ انهم رجعوا الى مصر ولا ملكوها قط ورد بأنه لا اعتبار بالتواريخ فالكذب فيها كثير والله تعالى أصدق قيلا وقد جاء فى الشعراء التنصيص بايراثها بنى اسرائيل كذا فى حواشى سعدى المفتى قال المفسرون عند قوله تعالىعسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الارض } اى يجعلكم خلفاء فى ارض مصر أو فى الارض المقدسة وقالوا فى قوله تعالىوأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها } اى ارض الشام ومشارقها ومغاربها جهاتها الشرقية والغربية ملكها بنوا اسرآئيل بعد الفراعنة والعمالقة بعد انقضاء مدة التيه وتمكنوا فى نواحيها فاضطرب كلامهم فتارة حملوا الارض على ارض مصر واخرى على ارض الشام والظاهر الثانى لان المتبادر استخلاف انفس المستضعفين لا اولادهم ومصر انما ورثها اولادهم لانها فتحت فى زمان داود عليه السلام ويمكن ان يحمل على ارض الشام ومصر جميعا والمراد بالمستضعفين هم واولادهم فان الابناء ينسب اليهم ما ينسب الى الآباء والله اعلم وفى الآية اشارة الى ترك بحر الفضل رهوا اى مشقوقا بعصا الذكر لان فرعون النفس وصفاتها فانون فى بحر الوحدة تاركون لجنات الشهوات وعيون المستلذات الحيوانية وزروع الآمال الفاسدة والمقامات الروحانية بعبورهم عليها وسائر تنعمات الدنيا والآخرة بالسير والاعراض عنها وبقوله كذلك واورثنا الى الخ يشير ان الصفات النفسانية وان فنيت بتجلى الصفات الربانية فمهما يكن القالب باقيا بالحياة يتولد منه الصفات النفسانية الى ان تفنى هذه الصفات بالتجلى ايضا ولو لم تكن هذه المتولدات ما كان للسائر الترقى فافهم جدا فانه بهذا الترقى يعبر السائر عن المقام الملكى لانه ليس للملك الترقى من مقامه كما قال تعالىوما منا الا له مقام معلوم } فالكمال الملكى دفعى ثم لا ترقى بعده والكمال البشرى تدريجى ولا ينقطع سيره ابدا لا فى الدنيا ولا فى الآخرة والله مفيض الجود