الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ انا جعلناه قرءآنا عربيا } ان قلت هذا يدل على ان القرءآن مجعول والمجعول مخلوق وقد قال عليه السلام " القرءآن كلام الله غير مخلوق " قلت المراد بالجعل هنا تصيير الشئ على حالة دون حالة فالمعنى انا صيرنا ذلك الكتاب قرءآنا عربيا بانزاله بلغة العرب ولسانها ولم نصيره اعجميا بانزاله بلغة العجم مع كونه كلامنا وصفتنا قائمة بذاتنا عرية عن كسوة العربية منزهة عنها وعن توابعها { لعلكم تعقلون } كلمة لعل مستعارة لمعنى كى وهو التعليل وسببية ما قبلها لما بعدها لكون حقيقة الترجى والتوقع ممتنعة فى حقه تعالى لكونها مختصة بمن لا يعلم عواقب الامور وحاصل معناها الدلالة على ان الملابسة بالاول لاجل ارادة الثانى من شبه الارادة بالترجى فقوله لعلكم تعقلون فى موضع النصب على المفعول له وفعل الله تعالى وان كان لا يعلل بالغرض لكن فيه مصلحة جليلة وعاقبة حميدة فهى كلمة علة عقلا وكلمة مصلحة شرعا مع ان منع التعليل بالغرض العائد الى العباد بعيد عن الصواب جدا لمخالفته كثيرا من النصوص والمعنى لكى تفهموا القرءآن العربى وتحيطوا بما فيه من النظم الرائق والمعنى الفائق وتقفوا على ما تضمنه من الشواهد الناطقة بخروجه عن طوق البشر وتعرفوا حق النعمة فى ذلك وتنقطع اعذاركم بالكلية اذ لو أنزلناه بغير لغة العرب ما فهمتموه فقوله انا جعلناه قرءآنا عربيا جواب للقسم لكن لا على ان مرجع التأكيد جعله كذلك كما قيل بل ما هو غايته التى يعرب عنها قوله تعالى لعلكم تعقلون فانها المحتاجة للتأكيد لكونها منبئة عن الاعتناء بأمرهم واتمام النعمة عليهم وازاحة اعذارهم كذا فى الارشاد وقال بعضهم أقسم بالقرءان على انه جعله قرءآنا عربيا فالقسم والمقسم عليه من بدائع الاقسام لكونهما من واحد فالمقسم به ذات القرءان العظيم والمقسم عليه وصفه وهو جعله قرءآنا عربيا فتغايرا فكأنه قيل والقرآن المبين انه ليس بمجرد كلام مفترى على الله وأساطير بل هو الذى تولينا انزاله على لغة العرب فهذا هو المراد بكونه جوابا لا مجرد كونه عربيا اذ لا يشك فيه وانما جعله مقسما به اشارة الى انه ليس عنده شىء اعظم قدرا وأرفع منزلة منه حتى يقسم به فان المحب لا يؤثر على محبوبه شيئا فاقسم به ليكون قسمه فى غاية الوكادة وكذا لا اهم من وصفه فيقسم عليه