الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }

{ والذين استجابوا لربهم } نزلت فى الانصار دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الايمان فاستجابوا له اى لرسول الله من صميم القلب كما هو المفهوم من اطلاق الاستجابة وفيه اشارة الى ان الاستجابة للرسول استجابة للمرسل فهو من عطف الخاص على العام لمزيد التشريف وذلك لان الاستجابة داخلة فى الايمان فما وجه العطف مع عدم التغاير بين الوصفين ولا يلزم فيه ان تكون الآية مدنية فان كثيرا منهم اسلموا بمكة قبل الهجرة وفى الآية اشارة الى استجابة خطاب ارجعى الى ربك فانها استجابة مخصوصة بالنفس حاصلة لها بالسلوك { واقاموا الصلوة } من اوصاف الانصار ايضا والمراد الصلوات الخمس فانهم يجدون اوقاتها وان كان تفاوت قليل فى ساعات الليل والنهار فى الحرمين الشريفين على ما جربناه قال العلماء من الناس من لم يجد وقت المغرب والعشاء لانه يطلع الفجر حين تغرب الشمس فيسقط عنهم ما لا يجدون وقته وهذا كما ان رجلا اذا قطع يداه مع المرفقين او رجلاه مع الكعبين ففرائض وضوئه ثلاث لفوات محل الرابعة وانما ذكر اقامة الصلاة ولم يذكر غيرها من العبادات كايتاء الزكاة والصوم مثلا لانه ما بين العبد والايمان الا اقامة الصلاة كما انه ما بينه وبين الكفر الا ترك الصلاة فاذا اقام الصلاة فقد آمن واقام الدين كما اذا تركها فقد كفر وهدم الدين وفى الحديث " اول ما يحاسب العبد يوم القيامة بصلاته فان صحت افلح وأنجح وان فسدت فقد خاب وخسر " وقال عليه السلام " اول ما يحاسب الرجل على صلاته فان كملت والا اكملت بالنافلة ثم يأخذ الاعمال على قدر ذلك " { وامرهم شورى بينهم } مصدر كالفتيا بمعنى التشاور واصله من الشور وهو الاخراج تسمى به لان كل واحد من المتشاورين فى الامر يستخرج من صاحبه ما عنده والمعنى وامرهم ذو شورى لا ينفردون برأى حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وبالفارسية كار ايشان بامشور تست ميان ايشان. قال سعدى المفتى فان قلت لا حاجة الى اضمار المضاف لظهور صحته وشأنهم تشاور قلت المصدر مضاف من صيغ العموم فيكون المعنى جميع امورهم تشاور ولا صحة له الا ان يقصد المبالغة فى كثرة ملابستهم به وعلى هذا فيجوز أن يكون قوله ذو شورى لبيان حاصل المعنى انتهى وكانوا قبل الهجرة وبعدها اذا حزبهم امر اجتمعوا وتشاوروا وذلك من فرط تدبرهم وتفقههم فى الامور
مشورت بهر آن صواب آمد درهمه كار مشورت بايد   
وفى عين المعانى وامرهم شورى بينهم حين سمعوا بظهوره عليه السلام فاجتمع رأيهم فى دار ابى ايوب على الايمان به والنصر له وقيل لها العموم اى لا يستبدون برأيهم فيما لا وحى فيه من امر الدين بل يشاورون الفقهاء وقيل فى كل ما يعرض من الامور انتهى قال على رضى الله عنه نعم الموازنة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد قال حكيم اجعل سرك الى واحد ومشورتك الى ألف وقيل ان من بدأ بالاستخارة واثنى بالاستشارة لحقيق ان لا يضل رأيه قال الاسكندر لا يستحقر الرأى الجزيل من الرجل الحقير فان الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها يقال اعقل الرجال لا يستغنى عن مشاورة اولى الالباب وأفره الدواب لا يستغنى عن السوط واورع النساء لا يستغنى عن الزوج وفى الآية اشارة الى التمسك بذيل ارادة المشايخ فى السلوك الى لحضرة ليتسلكوا بمشاورتهم وارشادهم لا باسترسال النفس والهوى وتلقين الشيطان كما قال الجنيد قدس سره من لم يكن له استاذ فاستاذه الشيطان { ومما رزقناهم } من الاموال { ينفقون } اى فى سبيل الخير ولا التفات الى انفاق الكافر فانه لم يستجب لربه بالايمان والطاعة فخيره محبط بكفره ولعل فصله عن قرينه بذكر المشاورة لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات كما فى الارشاد وقال سعدى المفتى ثم ان ادخال هذه الجملة فى مرهم العين لعله لمزيد الاهتمام بشأن التشاور للمبادرة الى التنبيه على ان استجابتهم للايمان كانت عن بصيرة ورأى سديد انتهى وفى الآية دلالة على فضيلة الانفاق والتوكل على الغنى الخلاق حكى ان بعض الشيوخ اخذه الناس ليشهدوا عند سلطان المغرب بفسقه وبكونه واجب القتل فمر الشيخ فى الطريق بخباز فاستقرض منه نصف خبز فتصدق به فلما حضر وافى الديوان شهدوا له بالخير ولم يقدروا على خلافه وذلك ببركة الصدقة كما قال عليه السلام

السابقالتالي
2 3 4