الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }

{ شرع لكم من الدين } شرع بمعنى سن وجعل سنة وطريقا واضحا اى سن الله لكم يا امة محمد من التوحيد ودين الاسلام واصول الشرائع والاحكام وبالفارسية وراه روشن ساخت شمار ازدين { ما وصى به نوحا } التوصية وصيت كردن وفرمودن والوصية التقدم الى الغاير بما يعمل به مقرنا يوعظه اى امر به نوحا امرا مؤكدا فان التوصية معربة عن تأكيد الامر والاعتناء بشأن المأمور به قدم نوح عليه السلام لأنه اول انبياء الشريعة فانه اول من اوحى اليه الحلال والحرام واول من اوحى اليه تحريم الامهات والاخوات والبنات وسائر ذوات المحارم فبقيت تلك الحرمة الى هذا الآن { والذى اوحينا اليك } اى وشرع لكم الذى اوحينا الى محمد عليه السلام وتغيير التوصية الى الايحاء فى جانب النبى صلى الله وسلم للتصريح برسالته القامع لانكار الكفرة والالتفات الى نون العظمة لاظهار كمال الاعتناء بايحائه وهو السر فى تقديمه على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا وتقديم توصية نوح للمسارعة الى بيان كون المشروع لهم دينا قديما والتعبير بالاصل فى الموصولات وهو الذى للتعظيم وتوجيه الخطاب اليه عليه السلام بطريق التلوين للتشريف والتنبيه على أنه تعالى شرعه لهم على لسانه { وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى } وجه تخصيص هؤلاء الخمسة بالذكر انهم اكابر الانبياء ومشاهيرهم من اولى العزم واصحاب الشرآئع العظيمة والاتباع الكثيرة { ان اقيموا الدين } محله النصب على أنه بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه او رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع المشترك بين هؤلاء الرسل فقيل هو اقامة الدين اى دين الاسلام الذى هو توحيد الله وطاعته والايمان بكتبه ورسله وباليوم الآخر وسائر ما يكون الرجل به مؤمنا والمراد باقامته تعديل اركانه وحفظه من ان يقع فيه زيغ او المواظبة عليه والتشمر له { ولا تتفرقوا فيه } فى الدين الذى هو عبارة عن الاصول والخطاب متوجه الى امته عليه السلام فهذه وصية لجميع العباد. واعلم أن الانبياء عليهم السلام مشتركون ومتفقون فى اصل الدين وجميعهم اقاموا الدين وقاموا بخدمته وداموا بالدعوة اليه ولم يتخلفوا فى ذلك وباعتبار هذا الاتفاق والاتحاد فى الاصول قال الله تعالىان الدين عند الله الاسلام } من غير تفرقة بين نبى ونبى ومختلفون فى الفروع والاحكام قال تعالىلكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } وهذا لاختلاف الناشئ من اختلاف الامم وتفاوت طبائعهم لا يقدح فى ذلك الاتفاق ثم امر عباده باقامة الدين والاجتماع عليه ونهاهم عن التفرق فيه فان يد الله ونصرته مع الجماعة وانما يأكل الذئب الشاة البعيدة النافرة والمنفردة عن الجماعة اوصى حكيم اولاده عند موته وكانوا جماعة فقال لهم ائتونى بعصى فجمعها فقال لهم اكسروها وهى مجموعة فلم يقدروا على ذلك ثم فرقها فقال خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها فقال لهم هكذا انتم بعدى لن تغلبوا ما اجتمعتم فاذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فاهلككم وكذا القائمون بالدين اذا اجتمعوا على اقامته ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدو وكذا الانسان فى نفسه اذا اجتمع فى نفسه على اقامة الدين لم يغلبه شيطان من الانس والجن بما يوسوس به اليه مع مساعدة الايمان والملك باقامته له قال على رضى الله عنه لا تتفرقوا فان الجماعة رحمة والفرقة عذاب وكونوا عباد الله اخوانا قال سهل الشرآئع مختلفة وشريعة نوح هو الصبر على اذى المخالفين انتهى فعلى هذا فشريعة ابراهيم عليه السلام هو الانقياد والتسليم وشريعة موسى عليه السلام هو الاشتياق الى جمال الرب الكريم وشريعة عيسى عليه السلام هو الزهد والتجرد العظيم وشريعة نبينا عليه السلام هو الفقر الحقيقى المغبوط عند كل ذى قلب سليم كما قال اللهم اغننى بالافتقار اليك وهذه الشرآئع الباطنة باقية ابدا ومن اصول الدين التوجه الى الله تعالى بالكلية فى صدق الطلب وتزكية النفس عن الصفات الذميمة وتصفية القلب عن تعلقات الكونين وتخلية الروح بالاخلاق الربانية ومراقبة السر لكشف الحقائق وشواهد الحق وكان نبينا عليه السلام قبل البعثة متعبدا فى الفروع بشرع من قبله مطلقا آدم وغيره وفى كلام الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر تعبده عليه السلام قبل نبوته كان بشريعة ابراهيم عليه السلام حتى جاءه الوحى وجاءته الرسالة ولم يكن على ما كان عليه قومه باتفاق الائمة واجماع الامة فالولى الكامل يجب عليه متابعة العمل بالشريعة المطهرة حتى يفتح الله له فى قلبه عين الفهم عنه فيلهم معانى القرءآن ويكون من المحدثين بفتح الدال ثم يصير الى ارشاد الخلق وفى المثنوى

السابقالتالي
2 3