الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ }

{ الا } كلمة تنبيه { انهم } اى كفار مكة { فى مرية } شك عظيم وشبهة شديدة { من لقاء ربهم } بالبعث والجزاء فانهم استبعدوا احياء الموتى بعدما تفرقت اجزآؤهم وتبددت اعضاؤهم وفيه اشارة الى أن الشك احاط بجميع جوانبهم احاطة الظرف بالمظروف لا خلاص لهم منه وهم مستمرون دآئمون فيه { الا انه بكل شىء محيط } الاحاطة ادراك الشىء بكماله اى عالم بجميع الاشياء جملها وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها فلا يخفى عليه خافية منهم وهو مجازيهم على كفرهم ومريتهم لا محالة ومرجع تأكيد العلم الى تأكيد الوعيد
علم بى جهل وقدرت بى عجز خاص مرحضرت الهى راست هرجه بايد در انفس وآفاق كند از حكم بادشاهى راست   
واحاطة الله سبحانه وتعالى عند العارفين بالموجودات كلها عبارة عن تجليه بصور الموجودات فهو سبحانه باحدية جميع اسمائه سار فى الموجودات كلها ذاتا وحياة وعلما وقدرة الى غير ذلك من الصفات والمراد باحاطته تعالى هذه السراية ولا يعزب عنه ذرة فى السموات والارض وكل ما يعزب يلحق بالعدم وقالوا هذه الاحاطة ليست كاحاطة الظرف بالمظروف ولا كاحاطة الكل باجزآئه ولا كاحاطة الكلى بجزيئاته بل كاحاطة الملزوم بلازمه فان التعينات اللاحقة لذاته المطلقة انما هى لوازم له بواسطة او بغير واسطة وبشرط او بغير شرط ولا تقدح كثرة اللوازم فى وحدة الملزوم ولا تنافيها والله اعلم بالحقائق. واعلم ان الاشياء كلها قد اتفقت على الشهادة بوحدة خالقها وانه مظهرها من كتم العدم والمظهر لا يفارق المظهر فى معرفة ارباب البصائر فسبحان من هو عند كل شى ومعه وقبله ومن ههنا قال بعضهم ما رأيت شيئا الا ورأيت الله معه وقال بعضهم ما رأيت شيئا الا ورأيت الله بعده وقال بعضهم ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله فمنهم من يرى الاشياء به ومنهم من يراه بالاشياء والى الاول الاشارة بقولهاو لم يكف بربك انه على كل شىء شهيد } والى الثانى بقولهسنريهم آياتنا فى الآفاق } فالاول صاحب مشاهدة ودرجة الصديقين والثانى صاحب استدلال ودرجة العلماء الراسخين فما بعدها الا درجة الغافلين المحجوبين وفى الآيات اشارات منها ان الخلق لا يرون الآيات الا بارآءة الله اياهم ومنها أن الله تعالى خلق الآفاق ونفس الانسان مظهر آياته ومنها أنه ليس للآفاق شعور على الآيات وعلى مظهريتها للايات بخلاف الانسان ومنها أن نفس الانسان مرءآة مستعدة لمظهرية جميع آيات الله ومظهريتها بارآءة الحق تعالى بحيث يتبين له أنه الحق ويبين لغيره أنه الحق ومنها أن العوام يتبين لهم باختلاف الليل والنهار والاحداث التى تجرى فى احوال العالم واختلاف الاحوال التى تجرى عليهم من الطفولية الى الشيخوخة واختلاف احكام الاعيان مع اختلاف جواهرها فى التجانس وهذه هى آيات حدوث العالم واقتفاء المحدث بصفاته ومنها أن الخواص يتبين لهم ببصائر قلوبهم من شواهد الحق واختلاف الاحوال فى القبض والبسط والجمع والفرق والحجب والجذب والستر والتجلى والكشوف والبراهين وانوار الغيب وما يجدونه من حقائق معاملاتهم ومنازلاتهم بارآءة الحق تعالى ومنها أن اخص الخواص يتبين لهم بالخروج من ظلمات حجب الانسانية الى نور الحضرة الربانية بتجلى صفات الجمال واحلال وكشف القناع الحقيقى عن العين والعيان ولهذا قال او لم يكف بربك اى بارآءة آياته وتعريف ذاته وصفاته بكشف القناع ورفع الاستار انه على كل شىء شهيد لا يغيب عن قدرته شىء وبقوله ألا انهم فى مرية من لقاء ربهم يشير الى أن اهل الصورة لفى شك من تجويز ما يكاشف به اهل الحقيقة من انواع المشاهدات والمعاينات الا انه بكل شىء محيط وهو قادر على التجلى لكل شىء كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم

السابقالتالي
2