الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ ومن آياته } دلائل قدرته تعالى { انك } يا محمد او يا ايها الناظر { ترى الارض } حال كونها { خاشعة } يابسة لا نبات فيها متطامنة يعنى فرسوده وخشك شده. مستعار من الخشوع بمعنى التذلل شبه يبس الارض وخلوها عن الخير والبركة بكون الشخص خاشعا ذليلا عاريا لا يؤبه به الدناءة هيئته فهى استعارة تبعية بمعنى يابسة جدبة { فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت } الاهتزاز التحرك اى تحركت بالنبات يعنى بحنبش در آيدرستن كياه ازو { وربت } وانتفخت لأن النبت اذا دنا ان يظهر ارتفعت له الارض وانتفخت ثم تصدعت عن النبات اى انشقت يقال ربا ربوا وربا زاد ونما والفرس ربوا انتفخ من عدو أو فزع وقال الراغب وربت اى زادت زيادة المتربى { ان الذى احياها } بما ذكر بعد موتها والاحياء فى الحقيقة اعطاء الحياة وهى صفة تقتضي الحس والحركة فالمراد باحياء الارض تهييج القوى الناميه فيها واحداث نضارتها بانواع النباتات { لمحيى الموتى } بالبعث { انه على كل شىء } من الاشياء التى من جملتها الاحياء { قدير } مبالغ فى القدرة وقد وعد بذلك فلا بد من ان يفى به والحكمة فى الاحياء هو المجازاة والمكافاة وفى الآية اشارة الى احياء النفوس واحياء القلوب اما الاول فلأن ارض البشرية قد تصير يابسة عند فقدان الدواعى والاسباب فاذا نزل عليها ماء الابتلاء والاستدراج تراها تهتز بنباتات المعاصى واشجار المناهى فى المثنوى
آتشت را هيزم فرعون نيست زانكه جون فرعون اوراعون نيست نفس ازدرهاست اوكى مرده است از غم بى التى افسرده است كرمك است آن ازدها ازده ست فقر بشه كردد ز جاه و مال صقر   
ولذا كان اصعب دعاء عليه ان يقال له اذاقك الله طعم نفسك فانه من ذاق طعم نفسه واستحلى ما عنده وشغل به عن المقصود فلا يرجى فلاحه ابدا واما احياء القلوب فبنور الايمان وصدق الطلب وغلبات الشوق وذلك عند نزول مطر اللطف وماء الرحمة وعن بعض الصالحين قال رأيت سمنون فى الطواف وهو يتمايل فقبضت على يده وقلت له يا شيخ بموقفك بين يديه الا اخبرتنى بالامر الذى اوصلك اليه فلما سمع بذكر الموقف بين يديه سقط مغشيا عليه فلما افاق انشد
ومكتئب لج السقام بجسمه كذا قلبه بين القلوب سقيم يحق لو مات خوفا ولوعة فموقفه يوم الحساب عظيم   
ثم قالى يا اخى اخذت نفسى بخصال احكمتها فاما الخصلة الاولى أمت منى ما كان حيا وهو هوى النفس واحييت منى ما كان ميتا وهو القلب واما الثانية فانى احضرت ما كان عنى غائبا وهو حظى من الدار الآخرة وغيبت ما كان حاضرا عندى وهو نصيبى من الدنيا واما الثالثة فانى ابقيت ما كان فانيا عندى وهو التقى وافنيت ما كان باقيا عندى وهو الهوى واما الرابعة فانى انست بالامر الذى منه تستوحشون وفررت من الامر الذى اليه تسكنون اشار الى الاستئناس بالله وبذكره والى الاستيحاش مما سوى الله وهو المراد بحسن الخاتمة واما التوحش من الله والانس بما سواه فهو المراد بسوء العاقبة نعوذ بالله وربما كان سوء العاقبة بالخروج من الدنيا بغير ايمان وكان فى زمان حاتم الاصم نباش فحضر مجلس حاتم يوما فتاب على يده واحياه الله بسبب نفس حاتم فقال له حاتم كم نبشت من القبور فقال سبعة آلاف قال فى كم سنة قال فى عشرين سنة فغشى على حاتم فلما افاق قال قبور المسلمين ام قبور الكافرين قال بل قبور المسلمين فقال كم قبراً وجدت صاحبه على غير القبلة قال وجدت ثلاثمائة قبر صاحبه على القبلة والباقون على غير القبلة فغشى على حاتم وذلك لأن خوف كل احد بحسب مقامه من المعرفة فاذا عرف المرء أن فى امامه موتا وابتلاء ثم حشرا وامتحانا لا يزال فى ناحية وربما يغلب عليه حاله فيغشى عليه قال بعضهم اذا عرج بروح المؤمن الى السماء قالت الملائكة سبحان الذى نجى هذا العبد من الشيطان يا ويحه كيف نجا ولكثرة فتن الشيطان وتشبثها بالقلوب عزت السلامة فلا بد من الاستقامة فى الله وادامة الذكر والاستعاذة بالله من كل شيطان مضل وفتنة مهلكة