الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

{ واما ثمود } اى قبيلة ثمود فهو غير منصرف للعلمية والتأنيث ومن نونه وصرفه جعله اسم رجل وهو الجد الاعلى للقبيلة { فهديناهم } الهداية هنا عبارة عن الدلالة على ما يوصل الى المطلوب سوآء ترتب عليها الاهتدآء ام لا كما فى قوله تعالىوانك لتهدى الى صراط مستقيم } وليست عبارة عن الدلالة المقيدة بكونها موصلة الى البغية كما فى قوله تعالىوالله لا يهدى القوم الكافرين } والمعنى فدللناهم على الحق بنصب الآيات التكوينية وارسال الرسل وانزال الآيات الشريفة ورحمنا عليهم بالكلية { فاستحبوا العمى على الهدى } حقيقة الاستحباب ان يتحرى الانسان فى الشىء ان يحبه واقتضى تعديته بعلى معنى الايثار والاختيار كما فى المفردات اى اختاروا الضلالة من عمى البصيرة وافتقادها على الهداية والكفر على الايمان والمعصية على الطاعة قال صاحب الكشف فى لفظ الاستحباب ما يشعر بأن قدرة الله تعالى هى المؤثرة وان لقدرة العبد مدخلا ما فان المحبة ليست اختيارية بالاتفاق وايثار العمى حبا وهو الاستحباب من الاختيارية واعترض عليه سعدى المفتى فى حواشيه بأنه كيف لا تكون المحبة اختيارية ونحن مكلفون بمحبة رسول الله صلى الله تعالى وعليه وسلم ولا تكليف بغير الاختيارى ألا يرى الى قوله عليه السلام لعمر رضى الله عنه " الآن يا عمر " يعنى " فى قول عمر ورسول الله آخذ بيده يا رسول الله انت احب الى من كل شىء الا نفسى فقال عليه السلام " لا والذى نفسى بيده حتى اكون احب اليك من نفسك " فقال عمر الآن والله انت احب الى من نفسى فقال " الآن يا عمر " اى صار ايمانك كاملا والجواب على ما فى شرح المشارق لابن الملك أن المراد من هذه المحبة محبة الاختيار لا محبة الطبع لأن كل احد مجبول على حب نفسه اشد من غيرها فمعنى الحديث لا يكون ايمانك كاملا حتى تؤثر رضاى على رضى نفسك وان كان فيه هلاكك ونظيره قوله تعالىويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة } فهم مع احتياجهم آثروا انفسهم على انفسهم وكذا المحب آثر رضى المحبوب على رضى نفسه مع كون محبته لنفسه اشد من محبته له وقيل ان ثمود فى الابتدآء آمنوا وصدقوا ثم ارتدوا وكذبوا فاجراهم مجرى اخوانهم فى الاستئصال فتكون الهداية بمعنى الدلالة المقيدة قال ابن عطاء البسوا لباس الهداية ظاهرا وهم عوارى فيتحقق عليهم لباس الحقيقة فاستحبوا العمى على الهدى فردوا الى الذى سبق لهم فى الازل يعنى أن جبلة القوم كانت جبلة الضلالة فمالوا الى ما جبلوا عليه من قبول الضلال فان السوابق تؤثر فى العواقب بدون العكس فلا عبرة بالهداية المتوسطة لأنها عارضة قال الحافظ جون حسن عاقبت نه برندى و زاهديست.

السابقالتالي
2