الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ }

{ فلم يك } اصله لم يكن حذفت النون لكثرة استعماله { ينفعهم ايمانهم } اى تصديقهم بالوحدانية اضطرارا وقوله ايمانهم يجوز ان يكون اسم كان وينفعهم خبره مقدما عليه وان يكون فاعل ينفعهم واسم كان ضمير الشان المستتر فيه { لما رأوا بأسنا } اى عند رؤية عذابنا والوقوع فيه لامتناع قبوله حينئذ امتناعا عاديا كما يدل عليه قوله { سنة الله } الخ زيرا دروقت معاينه عذاب تكليف مرتفع ميشود وايمان در زمان تكليف مقبولست نه دروقت يأس فامتنع القبول لانهم لم يأتوا به فى الوقت المأمور به ولذلك قيل فلم يك بمعنى لم يصح ولم يستقم فانه ابلغ فى نفى النفع من لم ينفعهم ايمانهم وهذه الفاء للعطف على آمنوا كأنه قيل فآمنوا فلم ينفعهم لان النافع هو الايمان الاختيارى الواقع مع القدرة على خلافه ومن عاين نزول العذاب لم يبق له القدرة على خلاف الايمان فلم ينفعه وعدم نفعه فى الدنيا دليل على عدم نفعه فى الآخرة { سنة الله التى قد خلت فى عباده } قوله سنة من المصادر المؤكدة وخلت من الخلوّ يستعمل فى الزمان والمكان لكن لما تصور فى الزمان المضى فسر اهل اللغة قولهم خلا الزمان بقولهم مضى وذهب اى سن الله عدم قبول ايمان من آمن وقت رؤية البأس ومعاينته سنة ماضية فى عباده مطردة اى فى الامم السالفة المكذبة كلها ويجوز ان ينتصب سنة على التحذير اى احذروا سنة الله المطردة فى المكذبين السابقين. والسنة الطريقة والعادة المسلوكة وسنة الله طريقة حكمته { وخسر هنالك الكافرون } قوله هنالك اسم مكان فى الاصل موضوع للاشارة الى المكان قد استعير فى هذا المقام للزمان لانه لما اشير به الى مدلول قولهلما رأوا بأسنا } ولما للزمان تعين ان يراد به الزمان تشبيها له بالمكان فى كونه ظرفا للفعل كالمكان. والمعنى على ما قال ابن عباس رضى الله عنهما هلك الكافرون بوحدانية الله المكذبون وقت رؤيتهم البأس والعذاب. وقال الزجاج الكافر خاسر فى كل وقت ولكنه تبين لهم خسرانهم اذا رأوا العذاب ولم يرج فلاحهم ولم يقل وخسر هنالك المبطلون كما فيما سبق لانه متصل بايمان غير مجدد ونقيض الايمان الكفر كما فى برهان القرآن اى فحسن موقعه كما حسن موقع قوله المبطلون على ما عرف سره فى موقعه. اعلم ان فى ايمان البأس واليأس تفاصيل اقررها لك فانظر ماذا ترى قال فى الامالى
وما ايمان شخص حال بأس بمقبول لفقد الامتثال   
قوله بأس بالباء الموحدة وبسكون الهمزة لم يقل يأس بالياء المثناة لموافقة قوله تعالى { فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا } فاشتمل على ما بالموحدة والمثناة واصل البأس الشدة والمضرة وحال البأس هو وقت معاينة العذاب وانكشاف ما جاءت به الاخبار الالهية من الوعد والوعيد وحال اليأس هو وقت الغرغرة التى تظهر عندها احكام الدار الآخرة عليه بعد تعطيل قواه الحسية ويستوى فى حال البأس بالموحدة الايمان والتوبة لقوله تعالى { فلم يك ينفعهم } الآية ورجاء الرحمة انما يكون فى وقته وبظهور الوعيد خرج الوقت من اليد ولم يتصور الامتثال ووقع الايمان ضروريا خارجا عن الاختيار ألا ترى ان ايمان الناس لا يقبل عند طلوع الشمس من مغربها لانه ايمان ضرورى فلا يعتبر لانه يجوز ان يكون ايمان المضطر لغرض النجاة من الهلاك بحيث لو تخلص لعاد لما اعتاد.

السابقالتالي
2 3 4