الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

{ أفلم يسيروا } الهمزه للاستفهام التوبيخى والفاء للعطف على مقدر اى أقعدوا اى قومك وهم قريش فلم يسيروا ولم يسافروا { فى الارض } در زمين عاد وثمود { فينظروا } ويعتبروا جواب الاستفهام وبالفارسية تابنكرندكه { كيف كان } جه كونه بود } { عاقبة الذين من قبلهم } من الامم المهلكة يعنى انهم قد ساروا فى اطراف الارض وسافروا الى جانب الشام واليمن وشاهدوا مصارع المكذبين من الامم السالفة وآثارهم فليحذروا من مثل عذابهم فلا يكذبوك يا محمد. ثم بين مبادى احوال الامم المتقدمة وعواقبها فقال { كانوا } اى تلك الامم { اكثر } عددا { منهم } اى من قومك { واشد قوة } فى الابدان والعدد { وآثارا فى الارض } باقية بعدهم من الابنية والقصور والمصانع وهى جمع مصنعة بفتح النون وضمها شىء كالحوض يجمع فيه ماء المطر ويقال له الصهريج ايضا وتغلط فيه العامة من الاتراك فيقولون صارنج واكثر بلاد العرب محتاجة الى هذا لقلة الماء الجارى والآبار. وفى التأويلات النجمية { وآثارا فى الارض } بطول الاعمار وقيل هى آثار اقدامهم فى الارض بعظم اجرامهم ـ وحكى ـ عن الشيخ محى الدين بن العربى قدس سره انه قال قد اجتمعت بجماعة من قوم يونس عليه السلام سنة خمس وثمانين وخمسمائة بالاندلس حيث كنت فيه وقست اثر رجل واحد منهم فى الارض فرأيت طول قدمه ثلاثة اشبار وثلثى شبر { فما اغنى عنهم } يقال اغنى عنه كذا اذا كفاه ونفعه وهو اذا استعمل بعن يتعدى الى مفعول كما سبق اى لم يغن عنهم لم يدفع ولم ينفع { ما كانوا يكسبون } كسبهم او مكسوبهم من الاموال والاولاد وترتيب العساكر فاذا لم تفدهم تلك المكنة العظيمة الا الخيبة والخسار فكيف هؤلاء الفقراء المساكين. ويجوز ان تكون ما الاولى استفهامية بمعنى أى شىء اغنى عنهم ذلك وما الثانية على التقديرين فاعل اغنى وهذه الفاء بيان عاقبة كثرتهم وشدة قوتهم وما كانوا يكسبون بذلك زعما منهم ان ذلك يغنى عنهم فلم يترتب عليه الا عدم الاغناء فهذا الاعتبار جرى مجرى النتيجة وان كان عكس الغرض ونقيض المطلوب كما فى قولك وعظته فلم يتعظ اى لم يترتب عليه الا عدم الاتعاظ مع انه عكس المتوقع