الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ } * { فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ }

{ اذ الاغلال فى اعناقهم } ظرف ليعملون وهو اسم للزمن الماضى ويعلمون مستقبل لفظا ومعنى واما المكان فظاهر مثل قولك سوف اصوم امس وذا لا يجوز. وجوابه ان وقت العلم مستقبل تحقيقا وماض تنزيلا وتأويلا لان ما سيعلمونه يوم القيامة فكأنهم علموه فى الزمن الماضى لتحقق وقوعه فسوف بالنظر الى الاستقبال التحقيقى واذ بالنظر الى المضى التأويلى. والاغلال جمع غل بالضم وهو ما يقيد به فيجعل الاعضاء وسطه وغل فلان قيد به اى وضع فى عنقه او يده الغل والاعناق جمع عنق بالفارسية كردن والمعنى على ما فى كشف الاسرار آنكاه كه غلها كه دردستهاى ايشان در كردنهاى ايشان كنند يعنى تغل ايديهم الى اعناقهم مضمومة اليها { والسلاسل } عطف على الاغلال والجار فى نية التأخير وهو جمع سلسلة بالكسر بالفارسية زنجير وذلك لان السلسلة بالفتح ايصال الشىء بالشىء ولما كان فى السلسلة بالكسر ايصال بعض الخلق بالبعض سميت بها { يسحبون فى الحميم } السحب الجر بعنف ومنه السحاب لان الريح تجره وسحبه كمنعه جره على وجه الارض فانسحب والحميم الماء الذى تناهى حره. قال فى القاموس الحميم الماء الحار والماء البارد ضد والقيظ والعرق اى على التشبيه كما فى المفردات والجملة حال من فاعل يعلمون او من ضمير اعناقهم. اى حال كونهم مسحوبين اى مجرورين تجرهم على وجوههم خزنة جهنم بالسلاسل الى الحميم اى الماء المسخن بنار جهنم ولا يكون الا شديد الحرارة جدا لان ما سخن بنار الدنيا التى هى جزء واحد من سبعين جزأ من نار جهنم اذا كان لا يطاق حرارته فكيف ما يسخن بنار جهنم وفى كلمة فى اشعار باحاطة حرارة الماء لجميع جوانبهم كالظرف للمظروف حتى كأنهم فى عين الحميم ويسحبون فيها. وقال مقاتل يسحبون فى الحميم اى فى حر النار كما فى قوله تعالىيوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر } والظاهر ان معنى يسحبون في النار اى يجرون الى النار علة وجوههم كما فى هذا المقام ـ حكى ـ انه توفيت النوار امرأة الفرزدق فخرج فى جنازتها وجوه اهل البصرة وخرج فيها الحسن البصرى فقال الحسن للفرزدق يا ابا فراس ما اعددت لهذا اليوم قال شهادة ان لا اله الا الله منذ ثمانين سنة فلما دفنت قام الفرزدق على قبرها وانشد هذه الابيات
اخاف وراء القبر ان لم يعافنى اشد من القبر التهابا واضيقا اذ جاءنى يوم القيامة قائد عنيف وسواق يسوق فرزدقا لقد خاب من اولاد آدم من مشى الى النار مغلول القلادة ازرقا   
فبكى وابكى الحاضرين { ثم } اى بعد الجر بالسلاسل الى الحميم { فى النار يسجرون } يحرقون بالنار وهى محيطة بهم من سجر التنور اذا ملأه بالوقود ومن كانوا فى النار وكانت هى محيطة بهم وصارت اجوافهم مملوءة بها لزم ان يحرقوا بها على ابلغ الوجوه فهم يملأون بالنار كائنين فيها ويحرقون والمراد بيان انهم يعذبون بانواع العذاب وينقلون من لون الى لون.

السابقالتالي
2