الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ هو الذى خلقكم } يا بنى آدم { من تراب } اى فى ضمن خلق ابيكم آدم { ثم من نطفة } اى ثم خلقكم خلقا تفصيليا من منى قال الراغب النطفة الماء الصافى ويعبر بها عن ماء الرجل اى ماء الصلب يوضع فى الرحم كما قال ابن سينا
لا تكثرن من الجماع فانه ماء الحياة يصب فى الارحام   
والمعنى خلق اصلكم آدم من تراب ثم خلقكم من نطفة نسلا بعد نسل او خلق كل واحد منكم من التراب بمعنى أن كل انسان مخلوق من المنى وهو من الدم وهو من الاغذية الحيوانية والنباتية والحيوانية لا بد ان تنتهى الى النباتية والا لزم ان يتسلسل الحيوانيات الى غير النهاية والنبات انما يتولد من الماء والتراب او خلق قالبكم فى بدء امركم من الذرة الترابية التى استخرجها من صلب آدم ثم ادعها فى قطرة نطفة بنيه { ثم من علقة } وهى الدم الجامد لأن المنى يصير على هذا الشكل بعد اربعين يوما فى بطن الام { ثم يخرجكم طفلا } الطفل الولد ما دام ناعما كما فى المفردات والصغير من كل شىء او المولود كما فى القاموس وحد الطفل من اول ما يولد الى أن يستهل صارخا الى انقضاه ستة اعوام كما فى التفسير الفاتحة للفنارى والطفل مفرد لا جمع كما وهم وقولهاو الطفل الذين لم يظهروا } الآية محمول على الجنس وكذا هو فى هذا المقام جنس وضع موضع الجمع اى الاطفال او المعنى ثم يخرج كل واحد منكم من رحم الام حال كونه طفلا لتكبروا شيئا فشيئا { ثم لتبلغوا اشدكم } كمالكم فى القوة والعقل وبالفارسية بغايت قوت خود كه منتهاى شبابست. قال فى القاموس الاشد واحد جاء على بناء الجمع بمعنى القوة وهو ما بين ثمانى عشرة سنة الى ثلاثين وفى كشف الاسرار يقال اذا بلغ الانسان احدى وعشرين سنة دخل فى الاشد وذلك حين اشتد عظامه وقويت اعضاؤه { ثم لتكونوا شيوخا } اى تصيروا الى حالة الشيخوخة والشيخ يقال لمن طعن فى السن واستبانت فيه او من خمسين او احدى وخمسين الى آجر عمره او الى ثمانين كما فى القاموس قال فى كشف الاسرار يقال اذا ظهر البياض بالانسان فقد شاب واذا دخل فى الهرم فقد شاخ قال الشاعر
فمن عاش شب ومن شب شاب ومن شاب شاخ ومن شاخ مات   
" روى أن ابا بكر رضى الله عنه قال يا رسول الله قد شبت فقال " شيبتنى هود واخواتها " يعنى سورة هود وكان الشيب برسول الله صلى الله عليه وسلم قليلا يقال كان شاب منه احدى وعشرون شعرة بيضاء ويقال سبع عشرة شعرة وقال انس رضى الله عنه لم يكن فى رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء وقال بعض الصحابة ما شاب رسول الله وسئل آخر منهم فأشار الى عنفقته يعنى كان البياض فى عنفقته اى فى شعيرات بين الشفة السفلى والذقن وانما اختلفوا لقلتها يقال كان اذا ادهن خفى شيبه { ومنكم من يتوفى } يقبض روحه ويموت { من قبل } اى من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الاشد او قبله ايضا { ولتبلغوا } متعلق بفعل مقدر بعده اى ولتبلغوا { اجلا مسمى } وقتا محدودا معينا لا تتجاوزونه هو وقت الموت او يوم القيامة يفعل ذلك اى ما ذكر من خلقكم من تراب وما بعده من الاطوار المختلفة ولكون المعنى على هذا لم يعطف على ما قبله من لتبلغوا ولتكونوا وانما قلنا او يوم القيامة لأن الآية تحتوى على جميع مراتب الانسان من مبدأ فطرته الى منتهى امره فجاز أن يراد ايضا يوم الجزآء لأنه المقصد الاقصى واليه كمية الاحوال { ولعلكم تعقلون } ولكى تعقلوا ما فى ذلك الانتقال من طور الى طور من فنون الحكم والعبر وتستدلوا به على وجود خالق القوى والقدر