الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

{ الله الذى جعل } بيافريد { لكم } براى منفعت شما { الليل } شب تيراه را { لتسكنوا فيه } ولتستريحوا فان الليل لكونه باردا رطبا تضعف فيه القوى المحركة ولكونه مظلما يؤدى الى سكون الحواس فتستريح النفس والقوى والحواس بقلة اشغالها واعمالها كما قال ابن هيصم جعل الليل مناسبا للسكون من الحركة لان الحركة على وجهين حركة طبع من الحرارة وحركة اختيار من الخطرات المتتابعة بسبب الحواس فخلق الليل مظلما لتنسد الحواس وباردا لتسكن الحركة ولذا قيل للبرد القر لاجل أن البرد يقتضى السكون والحر الحركة { والنهار مبصرا } اى مبصرا فيه او به يعنى يبصر به المبصرون الاشياء ولكونه حارا يقوى الحركات فى اكتساب المعاش فاسناد الابصار الى النهار مجاز فيه مبالغة ولقصد المبالغة عدل به عن التعليل الى الحال بان قال مبصرا دون لتبصروا فيه او به يعنى أن نفس النهار لما جعل مبصرا فهم أن النهار لكمال سببيته للابصار وكثرة آثار القوة الباصرة فيه جعل كأنه هو المبصر فان قيل فلم لم يسلك هناك سبيل المبالغة قلنا لأن نعمة النهار لشبهها بالحياة أتم واولى من نعمة الليل التى تشبه الموت فكانت احق بالمبالغة اذا المقام مقام الامتنان ولأن الليل يوصف بالسكون لسكون هوآئه وصفا مجازيا متعارفا فسلوك سبيل المبالغة فيه يوقع الاشتباه كما اشير اليه فى الكشاف ثم اذا حملت الآية على الاحتباك وقيل المراد جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتنتشروا فيه ولتبتغوا من فضل الله فحذف من الاول بقرينة الثانى ومن الثانى بقرينة الاول لم يحتج الى ما ذكر كذا افاده سعدى المفتى قال بعضهم جعل الليل لتسكنوا فيه الى روح المناجاة والنهار مبصرا لتبصروا فيه بوادى القدرة وفيه اشارة الى ليل البشرية ليسكن اهل الرياضات والمجاهدات فيه الى استرواح القلوب ساعة فساعة لئلا يمل من مداومة لذكر والتعبد وحمل اعباء الامانة والى نهار الروحانية لجعله مظهرا للجد والاجتهاد فى الطلب والتصبر على التعب وسكون الناس فى الليل على اقسام. اهل الغفلة يسكنون الى استراحة النفوس والابدان. واهل الشهوة يسكنون الى مثالهم من الرجال والنسوان. واهل الطاعة يسكنون الى حلاوة اعمالهم وبسطهم واستقلالهم واهل المحبة يسكنون الى انين النفوس وحنين القلوب وضراعة الاسرار واشتعال الارواح بنار الشوق وهم يعدمون القرار فى ليلهم ونهارهم اولئك اصحاب الاشتياق ابدا فى الاحتراق
هركه از درد خدا آكاه شد ذكر وفكرش دائما الله شد   
{ ان الله لذو فضل } عظيم { على الناس } بخلق الليل والنهار لا يوازيه فضل ولا يدانيه { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } تكرير الناس لتنصيص تخصيص الكفران بهم بايقاعه على صريح اسمهم الظاهر الموضوع موضع الضمير الدال على أن ذلك كان شأن الانسان وخاصته فى الغالب اى لا يشكرون فضل الله واحسانه لجهلهم بالمنعم واغفالهم مواضع النعم اى رفعة شأنها وعلو قدرها واذا فقدوا شيئا منها يعرفون قدرها مثل ان يتفق لبعض والعياذ بالله أن يحبسه بعض الظلمة فى بئر عميق مظلم مدة مديدة فانه حينئذ يعرف قدر نعمة الهوآء الصافى وقدر نعمة الضوء

السابقالتالي
2