الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }

{ اسباب السموات } بيان لها يعنى راهها از آسمانى بآسمانى. وفى ابهامها ثم ايضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع الى معرفتها { فاطلع الى اله موسى } بقطع الهمزة ونصب العين على جواب الترجى اى انظر اليه قال فى تاج المصادر الاطلاع ديده ورشدن. وفى عين المعانى الاستعلاء على شىء لرؤيته { وانى لاظنه } اى موسى { كاذبا } فيما يدعيه من الرسالة. يقول الفقير لم يقل كذابا كما قال عند ارسالة اليه لأن القائل هنا هو فرعون وحده وحيث قال كذاب رجع المبالغة الى فرعون وهارون وقارون فافهم اعلم أن اكثر المفسرين حملوا هذا الكلام على ظاهره وذكروا فى كيفية بناء ذلك الصرح حكاية سبقت فى القصص وقال بعضهم ان هذا بعيد جدا من حيث أن فرعون ان كان مجنونا لم يجز حكاية كلامه ولا ارسال رسول يدعون وان كان عاقلا فكل عاقل يعلم بديهة انه ليس فى قوة البشر وضع بناء ارفع من الجبل وانه لا يتفاوت فى البصر حال السماء بين ان ينظر من اسفل الجبل ومن اعلاه فامتنع اسناده الى فرعون فذكروا لهذا الكلام توجهين يقربان من العقل الاول انه اراد ان يبنى له هامان رصدا فى موضع عال ليرصد منه احوال الكواكب التى هى اسباب سماوية تدل على الحوادث الارضية فيرى هل فيها ما يدل على ارسال الله اياه والثانى ان يرى فساد قول موسى عليه السلام بأن اخباره من اله السماء ويتوقف على اطلاعه عليه ووصوله اليه وذلك لا يتأتى الا بالصعود الى السماء وهو مما لا يقوى عليه الانسان وان كان اقدر اهل الارض كالملوك فاذا لم يكن طريق الى رؤيته واحساسه وجب نفيه وتكذيب من ادعى أنه رسول من قبله وهو موسى فعلى هذا التوجيه الثانى يكون فرعون من الدهرية الزنادقة وشبهته فاسدة لأنه لا يلزم من امتناع كون الحس طريقا الى معرفة الله امتناع معرفته مطلقا اذ يجوز ان يعرف بطريق النظر والاستدلال بالآثار كما قال ربكم آبائكم الاولين وقال رب المشرق والمغرب وما بينهما ولكمال جهل اللعين بالله وكيفية استنبائه اورد الوهم المزخرف فى صورة الدليل وقال الكلبى اشتغل فرعون بموسى ولم يتفرغ لبنائه وقال بعضهم قال فرعون ذلك تمويها وبعضهم قال لغلبة جهله والظاهر أن الله تعالى اذا شاء يعمى ويصم من شاء فخلى فرعون ونفسه ليتفرغ لبناء الصرح ليرى منه آية اخرى له وتتأكد العقوبة وذلك لأن الله تعالى هدمه بعد بنائه على ما سبق فى القصص وايضا هذا من مقتضى التكبر والتجبر الذى نقل عنه كما مثله عن بخت نصر فانه ايضا لغاية عتوه واستكباره بنى صرحا ببابل على ما سبقت قصته وايضا كيف يكون من الدهرية والمنقول المتواتر عنه أنه كان يتضرع الى الله تعالى فى خلوته لحصول مهامه ومن الله الفهم والعناية والدراية ويدل على ما ذكرنا ايضا قوله تعالى { وكذلك } اى ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط { زين } آرايش داده شد { لفرعون سوء عمله } اى عمله السيىء فانهمك فيه انهماكا لا يرعوى عنه بحال { وصد } صرف ومنع { عن السبيل } اى سبيل الرشاد والفاعل فى الحقيقة هو الله تعالى وبالتوسط هو الشيطان ولذا قال زين لهم الشيطان اعمالهم وهذا عند اهل السنة واما عند المعتزلة فالمزين والصاد هو الشيطان { وما كيد فرعون } ونبود مكر فرعون درساختن قصر ودر ابطال آيات { الا فى تباب } اى خسار وهلاك وفى التأويلات النجمية يشير الى أن من ظن أن الله سبحانه وتعالى فى السماء كما ظن فرعون فانه فرعون وقته ولو لم يكن من المضاهاة بين من يعتقد أن الله سبحانه فى السماء وبين الكافر الا هذا لكفى به فى زيغ مذهبه وغلط اعتقاده فان فرعون غلط اذ توهم ان الله فى السماء ولو كان فى السماء لكان فرعون مصيبا فى طلبه من السماء وقوله وكذلك الخ يدل على أن اعتقاده بأن الله فى السماء خطأ وانه بذلك مصدود عن سبيل الله وما كيد فرعون فى طلب الله من السماء الا فى تباب اى خسران وضلال انتهى وعن النبى عليه السلام

السابقالتالي
2 3