الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً }

{ ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم } ـ روى ـ ان ناسا اتوا النبى صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر الى المدينة وشكوا اليه ما يلقون من اذى المشركين قالوا كنا فى عز فى حالة الجاهلية والآن صرنا اذلة فلو اذنت لنا قتلنا هؤلاء المشركين على فرشهم فقال صلى الله عليه وسلم " كفوا ايديكم " اى امسكوا " عن القتال " { واقيموا الصلوة وآتوا الزكوة } واشتغلوا بما امرتم به فانى لم أومر بقتالهم وكانوا فى مدة اقامتهم بمكة مستمرين على تلك الحالة فلما هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة وامروا بالقتال فى وقت بدر كرهه بعضهم وشق ذلك عليه لكن لا شكا فى الدين ولا رغبة عنه بل نفورا من الاخطار بالارواح وخوفا من الموت بموجب الجبلة البشرية لان حب الدنيا والنفرة من القتل من لوازم الطباع وذلك قوله تعالى { فلما كتب عليهم القتال } اى فرض عليهم الجهاد { اذا فريق } اذا للمفاجأة وفريق مبتدأ { منهم } صفة { يخشون الناس } خبره والجملة جواب لما اى فاجأ فريق منهم ان يخشوا الكفار ان يقتلوهم { كخشية الله } مصدر مضاف الى المفعول محله النصب على انه حال من فاعل يخشون اى يخشونهم متشبهين باهل خشية الله تعالى { او اشد خشية } عطف عليه بمعنى او اشد خشية من اهل خشية الله وكلمة او للتنويع على معنى ان خشية بعضهم كخشية الله او خشية بعضهم اشد منها { وقالوا } عطف على جواب لما اى فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس وقالوا { ربنا لم كتبت علينا القتال } فى هذا الوقت لا على وجه الاعتراض على حكمه تعالى والانكار لا يجابه بل على طريقة تمنى التخفيف { لولا أخرتنا الى اجل قريب } اى هلا امهلتنا وتركتنا الى الموت حتى نموت بآجالنا على الفراش وهذا استزادة فى مدة الكف واستمهال الى وقت آخر حذرا من الموت وحبا للحياة { قل } اى تزهيدا لهم فيما يؤملونه بالقعود من المتاع الفانى وترغيبا فيما ينالونه بالقتال من النعيم الباقى { متاع الدنيا قليل } اى ما يتمتع وينتفع به فى الدنيا سريع النقض وشيك الانصرام وان اخرتم الى ذلك الاجل ولو استشهدتم فى القتال صرتم احياء فتتصل الحياة الفانية بالحياة الباقية { والآخرة } اى ثوابها الذى من جملته الثواب المنوط بالقتال { خير } لكم من ذلك المتاع القليل لكثرته وعدم انقطاعه وصفائه عن الكدورات وانما قيل { لمن اتقى } حثا لهم على اتقاء العصيان والاخلاص بمواجب التكليف { ولا تظلمون فتيلا } عطف على مقدر اى تجزون ولا تنقصون ادنى شىء من اجور اعمالكم التى من جملتها مسعاتكم فى شأن القتال فلا ترغبوا عنه.

السابقالتالي
2 3