الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً }

{ الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله } اى المؤمنون انما يقاتلون فى دين الله الحق الموصل لهم الى الله عز وجل فى اعلاء كلمته فهو وليهم وناصرهم لا محالة { والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت } اى فيما يوصلهم الى الشيطان فلا ناصر لهم سواه { فقاتلوا اولياء الشيطان } كأنه قيل اذا كان الامر كذلك فقاتلوا يا اولياء الله اولياء الشيطان { ان كيد الشيطان } الكيد السعى فى فساد الحال على جهة الاحتيال { كان ضعيفا } اى ان كيده للمؤمنين بالاضافة الى كيد الله بالكافرين ضعيف لا يؤبه به فلا تخافوا اولياءه فان اعتمادهم على اضعف شىء واوهنه وهذا كما يقال للحق دولة وللباطل جولة قالوا ادخال كان فى امثال هذه المواقع لتأكيد بيان انه منذ كان كان كذلك فالمعنى ان كيد الشيطان منذ كان كان موصوفا بالضعف. قال الامام فى تفسيره { ان كيد الشيطان كان ضعيفا } لان الله ينصر اولياءه والشيطان ينصر اوليائه ولا شك ان نصرة الشيطان لاوليائه اضعف من نصرة الله لاوليائه ألا ترى ان اهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر وان كانوا حال حياتهم فى غاية الفقر والذلة. واما الملوك والجبابرة فاذا ماتوا انقرضوا ولا يبقى فى الدنيا رسمهم ولا طللهم. قيل النار حفت بالشهوات وان فى كل نفس شيطانا يوسوس اليها وملكا يلهمها الخير فلا يزال الشيطان يزين ويخدع ولا يزال الملك يمنعها ويلهمها الخير فايهما كانت النفس معه كان هو الغالب. قيل ان كيد الشيطان والنفس بمثابة الكلب ان قاومته مزق الاهاب وقطع الثياب وان رجعت الى ربه صرفه عنك برفق فالله تعالى جعل الشيطان عدوا للعباد ليوحشهم به اليه وحرك عليهم النفس ليدوم اقبالهم عليه فكلما تسلطا عليهم رجعوا اليه بالافتقار وقاموا بين يديه على نعت اللجأ والاضطرار. قال احمد بن سهل اعداؤك اربعة. الدنيا وسلاحها لقاء الخلق وسجنها العزلة. والشيطان وسلاحه الشبع وسجنه الجوع. والنفس وسلاحها النوم وسجنها السهر. والهوى وسلاحه الكلام وسجنه الصمت. واعلم ان كيد الشيطان ضعيف فى الحقيقة فان الله ناصر لاوليائه كل حين ويظهر ذلك الامداد فى نفوسهم بسبب تزكيتهم النفس وتخلية القلب عن الشواغل الدنيوية وامتلاء اسرارهم بنور التوحيد فان الشيطان ظلمانى يهرب من النورانى لا محالة " ـ روى ـ ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه استأذن يوما على النبى عليه السلام وعنده نساء من قريش يسألنه عالية اصواتهن على صوته فلما دخل ابتدرن الحجاب فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك فقال ما اضحكك يا رسول الله بابى انت وامى فقال صلى الله عليه وسلم " عجبت من هؤلاء اللاتى كن عندى فلما سمعن صوتك بادرن الحجاب " فقال عمر انت احق ان يهبن يا رسول الله ثم اقبل عليهن فقال اى عدوات انفسهن أتهبننى ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن انت افظ واغلظ من رسول الله فقال عليه السلام " يا ابن الخطاب فوالذى نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك " ".

السابقالتالي
2