الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }

{ يا ايها الذين اوتوا الكتاب } اى التوراة { آمنوا بما نزلنا } من القرآن حال كونه { مصدقا لما معكم } من التوراة ومعنى تصديقه اياها نزوله حسبما نعت لهم فيها او كونه موافقا لها فى القصص والمواعيد والدعوة الى التوحيد والعدل بين الناس والنهى عن المعاصى والفواحش واما ما يتراءى من مخالفته لها فى جزئيات الاحكام بسبب تفاوت الامم بالاعصار فليست بمخالفة فى الحقيقة بل هى عين الموافقة من حيث ان كلا منهما حق بالاضافة الى عصره متضمن للحكمة التى عليها يدور فلك التشريع حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتأخر ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم قطعا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعى ". { من قبل ان نطمس وجوها } الطمس محو الآثار وازالة الاعلام اى آمنوا من قبل ان نمحو تخطيط صورها ونزيل آثارها من عين وحاجب وانف وفم { فنردها على ادبارها } فنجعلها على هيئة ادبارها وهى الاقفاء مطموسة مثلها وهذا معنى قول ابن عباس رضى الله عنهما نجعلها كخف البعير وحافر الدابة فتكون الفاء للتسبيب اى بان نردها على ادبارها او ننكسها بعد الطمس فنردها الى موضع الاقفاء والاقفاء الى موضعها على انهم توعدوا بعقابين احدهما عقيب الآخر طمسها ثم ردها على ادبارها { او نلعنهم } او نخزى اصحاب الوجوه بالمسخ { كما لعنا اصحاب السبت } مسخناهم قردة وخنازير ووقوع الوعيد مشروط بالايمان ومعلق به وجودا وعدما بمعنى ان وجد منهم الايمان لم يقع والا وقع وقد وجد الايمان منهم حيث آمن ناس منهم فلم يقع الوعيد { وكان امر الله } اى عذابه { مفعولا } كائنا لا محالة وهذا وعيد شديد لهم يعنى انتم تعلمون انه كان تهديد الله فى الامم السالفة واقعا لا محالة فكونوا على حذر من هذا الوعيد وارجعوا عن الكفر الى الايمان والاقرار بالتوبة والاستغفار. اعلم ان المسخ قد وقع فى هذه الامة ايضا. ومنه ما روى عن ابى علقمة انه قال كنت فى قافلة عظيمة فامرنا رجلا نرتحل بامره وننزل بامره فنزلنا منزلا وهو يشتم ابا بكر وعمر فقلنا له فى ذلك فلم يجب الينا بشىء فلما اصبحنا واوقرنا واصلحنا الراحلة لم يناد مناديه فجئنا ننظر ما حاله وما يصنع فاذا هو متربع وقد غطى رجليه بكساء له فكشفنا عنهما فاذا هو قد صار رجلاه كرجلى الخنازير فهيأنا راحتله وحملناه اليها فوثب من راحلته وقام برجليه وصاح ثلاث مرات صيحة الخنازير واختلط بالخنازير وصار خنزيرا حتى لا يعرفه منا احدا كذا فى روضة العلما ـ وروى ـ ان واحدا من رواة الاحاديث تحول رأسه رأس حمار لانكار وقوع مضمون حديث صحيح ورد فى حق المقتدى بالامام الرافع رأسه قبله او واضعه وحاصل الحديث ان من رفع رأسه قبل الامام او وضعه كيف لا يخاف من ان يصير رأسه رأس حمار فوقع فيما وقع وهذا هو مسخ الصورة ومسخ المعنى اشد واصعب منه فان اعمى الصورة مثلا يمكن ان يكون فى الآخرة بصيرا ولكن من كان فى هذه اعمى يعنى بالقلب فهو فى الآخرة اعمى واضل سبيلا وفضوح الدنيا اهون من فضوح الآخرة.

السابقالتالي
2