الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

{ ولا تتمنوا } التمنى عبارة عن ارادة ما يعلم او يظن انه لا يكون { ما فضل الله به بعضكم على بعض } اى عليكم ان لا تتمنوا ما اعطاه الله بعضكم من الامور الدنيوية كالجاه والمال وغير ذلك مما يجرى فيه التنافس دونكم فان ذلك قسمة من الله تعالى صادرة عن تدبير لائق باحوال العباد مترتب على الاحاطة بجلائل شؤونهم ودقائقها. فعلى كل احد من المفضل عليهم ان يرضى بما قسم له ولا يمتنى حظ المفضل ولا يحسده عليه لما انه معارضة لحكمة القدر فالانصباء كالاشكال وكما ان اختلاف الاشكال مقتضى حكمة الهية لم يطلع على سرها احد فكذلك الاقسام. وقيل لما جعل الله تعالى فى الميراث للذكر مثل حظ الانثيين قالت النساء نحن احوج ان يكون لنا سهمان وللرجال سهم واحد لانا ضعفاء وهم اقوياء واقدر على طلب المعاش منا فنزلت وهذا هو الانسب بتعليل النهى بقوله تعالى { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } فانه صريح فى جريان التمنى بين فريقى الرجال والنساء والمعنى لكل من الفريقين فى الميراث نصيب معين المقدار مما اصابه بحسب استعداده وقد عبر عنه بالاكتساب على طريقة الاستعارة التبعية المبنية على تشبيه اقتضاء حاله لنصيبه باكتسابه اياه تأكيدا لاستحقاق كل منهما لنصيبه وتقوية لاختصاصه به بحيث لا يتخطاه الى غيره فان ذلك مما يوجب الانتهاء عن التمنى المذكور { واسئلوا الله من فضله } اى لا تتمنوا ما يختص بغيركم من نصيبه المكتسب له واسألوا الله تعالى ما تريدون من خزائن نعمه التى لا نفاد لها فانه يعطيكموه { ان الله كان بكل شىء عليما } فهو يعلم ما يستحقه كل انسان ففضله عن علم وحكمة وتبيان وفى الحديث " لن يزال الناس بخير ما تباينوا ". اى تفاوتوا " فاذا تساووا هلكوا ". وذلك لاختلال النظام المرتبط بذلك. وقد يقال معناه انه لا يغتم لتفاوت الناس فى المراتب والصنائع بان يكون مثلا بعضهم اميرا وبعضهم سلطانا وبعضهم وزيرا وبعضهم رئيسا وبعضهم اهل الصنائع لتوقف النظام عليه. واعلم ان مراتب السعادات اما نفسانية كالذكاء التام والحدس الكامل والمعارف الزائدة على معارف الغير بالكمية والكيفية كالعفة والشجاعة وغير ذلك واما بدنية كالصحة والجمال والعمر الطويل فى ذلك مع اللذة والبهجة واما خارجية ككثرة الاولاد الصلحاء وكثرة العشائر وكثرة الاصدقاء والاعوان والرياسة التامة ونفاذ القول وكونه محبوبا لقلوب الناس حسن الذكر فيهم فهى مجامع السعادات والانسان اذا شاهد انواع الفضائل حاصلة لانسان ووجد نفسه خاليا عن جملتها او عن اكثرها فحينئذ يتألم قلبه ويتشوش خاطره ثم يعرض ههنا حالتان احداهما ان يتمنى زوال تلك السعادات عن ذلك الانسان والاخرى ان لا يتمنى ذلك بل يتمنى حصول مثلها له والاول هو الحسد المذموم لان المقصود الاول لمدبر العالم وخالقه الاحسان الى عبيده والجود اليهم وافاضة انواع الكرم عليهم فمن تمنى زوال ذلك فكأنه اعترض على الله فيما هو المقصود بالقصد الاول من خلق العالم وايجاد المكلفين وايضا ربما اعتقد فى نفسه انه احق بتلك النعم من ذلك الانسان فيكون هذا اعتراضا على الله وقدحا فى حكمته وكل ذلك مما يلقيه فى الكفر وظلمات البدعة ويزيل عن قلبه نور الايمان وكما ان الحسد سبب الفساد فى الدين فكذلك هو سبب الفساد فى الدنيا فانه يقطع المودة والمحبة والموالاة وينقلب كل ذلك الى اضدادها فلهذا السبب نهى الله عباده عنه بقوله { ولا تتمنوا } الآية فلا بد لكل عاقل من الرضى بقضاء الله تعالى ـ حكى ـ الرسول صلى الله عليه وسلم عن رب العزة انه قال

السابقالتالي
2 3