الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

{ يا ايها الناس } خطاب عام يتناول الموجودين فى زمان الخطاب ومن بعدهم دون المنقرضين بدليل انهم ما كانوا متعبدين بشرعنا فلو كان عاما لجميع بنى آدم لزم ان يتعبدوا بشرعنا وهو محال { اتقوا ربكم } فى حفظ ما بينكم من الحقوق وما يجب وصله ومراعاته ولا تضيعوه ولا تقطعوا ما امرتم بوصله { الذى خلقكم } اى قدر خلقكم حالا بعد حال على اختلاف صوركم وألوانكم { من نفس واحدة } اى من اصل واحد وهو نفس آدم ابيكم وعقب الاتقاء بمنة الخلق كيلا يتقى الا الخالق وبين اتحاد الاب فان فى قطع التزاحم حضا على التراحم { وخلق منها } اى من تلك النفس يعنى من بعضها { زوجها } امكم حواء بالمد من ضلع من اضلاعه اليسرى ـ روى ـ ان الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام واسكنه الجنة القى عليه النوم فبينما هو بين النائم واليقظان خلق حواء من قصيراه فلما انتبه وجدها عنده فمال اليها وألفها لأنها كانت مخلوقة من جزء من اجزائه واخرت حواء فى الذكر وان كانت مقدمة فى الخلق لان الواو لا ترتيب فيها { وبث } اى فرق ونشر { منهما } من تلك النفس وزوجها المخلوقة بطريق التوالد والتناسل { رجالا كثيرا } تذكيره للحمل على الجمع والعدد { ونساء } اى بنين وبنات كثيرة. واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها اذ الحكمة تقتضى ان يكون اكثر. وترتيب الامر بالتقوى على هذه القصة لان المراد به تمهيد للامر بالتقوى فيما يتصل بحقوق اهل منزله وبنى جنسه على ما دلت عليه الآيات التى بعدها فكأنه قيل اتقوا ربكم الذى وصل بينكم حيث جعلكم صنوانا متفرعة من ارومة واحدة فيما يجب لبعضكم على بعض من حقوق المواصلة التى بينكم فحافظوا عليها ولا تغفلوا عنها { واتقوا الله } اى لا تقطعوا فى الدين والنسب اغصانا تتشعب من جرثومة واحدة { الذى تساءلون به } فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض اسألك بالله { والارحام } اى يسأل بعضكم بعضا بالله فيقول بالله وبالرحم واناشدك الله والرحم افعل كذا على سبيل الاستعطاف وجرت عادة العرب على ان احدهم اذا استعطف غيره يقرن الرحم فى السؤال والمناشدة بالله ويستعطف به. فقوله والارحام بالنصب عطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا أو على الله اى اتقوا الله واتقوا الارحام فصلوها ولا تقطعوها وقد نبه سبحانه اذ قرن الارحام باسمه على ان صلتها بمكان منه وعنه صلى الله عليه وسلم " الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلنى وصله الله ومن قطعنى قطعه الله ". وقال صلى الله عليه وسلم " ما من عمل حسنة اسرع ثوابا من صلة الرحم وما من عمل سيئة اسرع عقوبة من البغى ".

السابقالتالي
2 3