الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ }

{ خلقكم } اى الله تعالى ايها الناس جميعا { من نفس واحدة } هى نفس آدم عليه السلام { ثم جعل منها } اى خلق من جنس تلك النفس واحدة او من قصيراها وهى الضلع التى تلى الخاصرة او هى آخر الاضلاع وبالفارسية ازاستخوان بهلوىجب او { زوجها } حوآء عليها السلام وثم عطف على محذوف هو صفة لنفس اى من نفس واحدة خلقها ثم جعل منها زوجها فشفعها وذلك فان ظاهر الآية يفيد ان خلق حوآء بعد خلق ذرية آدم وليس كذلك وفيه اشارة الى أن الله تعالى خلق الانسان من نفس واحدة هى الروح وخلق منها زوجها وهو القلب فانه خلق من الروح كما خلقت حوآء من ضلع آدم عليه السلام فالله تعالى متفرد بهذا الخلق مطلقا فينبغى ان يعرف ويعبد بلا اشراك { وانزل لكم } اى قضى وقسم لكم فان قضاياه تعالى وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث تكتب فى اللوح المحفوظ او احدث لكم وانشأ باسباب نازلة من السماء كالامطار واشعة الكواكب وهذا كقوله قد انزلنا عليكم لباسا ولم ينزل اللباس نفسه ولكن انزل الماء الذى هو سبب القطن والصوف واللباس منهما { من الانعام } از جهار بايان { ثمانية ازواج } ذكرا وانثى هى الابل والبقر والضأن والمعز والانعام جمع نعم بفتحتين وهى جماعة الابل فى الاصل لا واحد لها من لفظها قال ابن الشيخ فى اول المائدة الانعام مخصوص بالانواع الاربعة وهى الابل والبقر والضأن والمعز ويقال لها الازواج الثمانية لان ذكر كل واحد من هذه الانواع زوج بانثاه وانثاه زوج بذكره فيكون مجموع الازواج ثمانية بهذا الاعتبار من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين والخيل والبغال والحمير خارجة من الانعام قال فى بحر العلوم الواحد اذا كان وحده فهو فرد واذا كان معه غيره من جنسه سمى كل واحد منهما زوجا فهى زوجان بدليل قوله تعالى خلق الزوجين الذكر والانثى وعند الحساب الزوج خلاف الفرد كالاربعة والثمانية فى خلاف الثلاثة والسبعة وخصصت هذه الانواع الاربعة بالذكر لكثرة الانتفاع بها من اللحم والجلد والشعر والوبر وفى التأويلات النجمية وانزل لكم من الانعام ثمانية ازوج اى خلق فيكم من صفات الانعام ثمانى صفات وهى الاكل والشرب والتغوط والتبول والشهوة والحرص والشره والغضب واصل جميع هذه الصفات الصفتان الاثنتان الشهوة والغضب فانه لا بد لكل حيوان من هاتين الصفتين لبقاء وجوده بهما فبالشهوة يجلب المنافع الى نفسه وبالغضب يدفع المضرات { يخلقكم فى بطون امهاتكم } اى فى ارحامهن جمع ام زيدت الهاء فيه كما زيدت فى اهراق من اراق { خلقا } كائنا { من بعد خلق } اى خلقا مدرجا حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغ مخلقة من بعد مضغ غير مخلقة من بعد علقة من بعد نطفة ونظيره قوله تعالى وقد خلقكم اطوارا { فى ظلمات ثلاث } متعلق بيخلقكم وهى ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة وهى بالفتح محل الولد اى الجلد الرقيق المشتمل على الجنين او ظلمة الصلب والبطن والرحم وفيه اشارة الى ظلمة الخلقية وظلمة وجود الروح وظلمة البشرية وان شئت قلت ظلمة الجسد وظلمة الطبيعة وظلمة النفس فكما أن الجنين يخرج فى الولادة الاولى من الظلمات المذكورة الى نور عالم الملك والشهادة فكذا السالك يخرج فى الولادة الثانية من الظلمات المسطورة الى نور عالم الملكوت والغيب فى مقام القلب والروح قال الحافظ

السابقالتالي
2 3