الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ }

{ لهم من فوقهم ظلل من النار } لهم خبر الظلل والضمير للخاسرين ومن فوقهم حال من ظلل والظلل جمع ظلة كغرف جمع غرفة وهى سحابة تظل وشىء كهيئة الصفة بالفارسية سايبان. وفي كشف الاسرار ما اظلك من فوقك. والمعنى للخاسرين ظل من النار كثيرة متراكبة بعضها فوق بعض حال كون تلك الظل من فوقهم والمراد طباق وسرادقات من النار ودخانها وسمى النار ظلة لغلظها وكثافتها ولانها تمنع من النظر إلى ما فوقهم. وفيه اشعار بشدة حالهم فى النار وتهكم بهم لان الظلة انما هى للاستظلال والتبرد خصوصا فى الاراضى الحارة كأرض الحجاز فاذا كانت من النار نفسها كانت احرّ ومن تحتها اغمّ { ومن تحتهم } ايضا { ظلل } والمراد احاطة النار بهم من جمع جوانبهم كما قال تعالىاحاط بهم سرادقها } اى فسطاطها وهو الخيمة شبه به ما يحيط بهم من النار كما سبق فى الكهف ونظير الآية قوله تعالىيوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت ارجلهم } وقولهلهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } وقال بعضهم ومن تحتهم ظلل اى طباق من النار ودركات كثيرة بعضها تحت بعض هي ظلل للآخرين بل لهم أيضا عند تردّيهم فى دركاتها كما قال السدى هى لمن تحتهم ظلل وهكذا حتى ينتهى الى القعر والدرك الاسفل الذى هو للمنافقين فالظلل لمن تحتهم وهى فرش لهم وكما قال فى الأسئلة المقحمة كيف سمى ما هو الاسفل ظللا والظلال ما يكون فوقا والجواب لانها تظلل من تحتها فاضاف السبب الى حكمه { ذلك } العذاب الفظيع هو الذى { يخوف الله به عباده } فى القرآن ليؤمنوا ويحذرهم اياه بآيات الوعيد ليجتنبوا ما يوقعهم فيه. وفي الوسيط يخوف الله به عباده المؤمنين يعنى ان ما ذكر من العذاب معد للكفار وهو تخويف للمؤمنين ليخافوه فيتقوه بالطاعة والتوحيد { يا عبادى } اى بندكان من واصله يا عبادى بالياء { فاتقون } ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وهذه عظة من الله تعالى بالغة منطوية على غاية اللطف والرحمة. وفيه إشارة الى ان الله تعالى خلق جهنم سوطا يسوق به عباده الى الجنة اذ ليس تحت الوجود الا ما هو مشتمل للحكة والمصلحة فمن خاف بتخويف الله اياه من هذا الخسران فهو عبده عبدا حقيقيا ومستأهل لشرف الإضافة اليه. وعن ابى يزيد البسطامى قدس سره ان الخلق يفرون من الحساب وانا اقبل عليه فان الله تعالى لو قال لى اثناء الحساب عبدى لكفانى فعلى العاقل تحصيل العبودية وتكميلها كى يليق بخطاب الله تعالى ويكون من اهل الحرمة عند الله تعالى ألا ترى ان من خدم ملكا من الملوك يستحق الكرامة ويصير محترما عنده وهو مخلوق فكيف خدمة الخالق.

السابقالتالي
2